ما الذي يخسره الدولار من حروب التجارة بين واشنطن وبكين؟
في الوقت الذي تتحطّم فيه القواعد والنظريات الاقتصادية على مقصلة التداعيات الخطيرة التي خلّفها فيروس كورونا المستجد، فإنّ المؤشرات تؤكد أن الدولار الأميركي على موعد مع أزمة خانقة خلال الفترة المقبلة.
وحذّر الملياردير الأميركي راي داليو، أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين قد يتطوّر إلى “حرب رأسمالية” من شأنها إلحاق الضرر بالدولار. وقال إنّ هناك حرباً تجارية وتكنولوجية وجيوسياسية، وقد تكون هناك حرب رأسمالية، وهذا هو الواقع.
وتوقع مؤسس صندوق التحوط بريدجووتر أسوشيتس أن تندلع حرب رأسمالية بين واشنطن وبكين إذا قررت الحكومة الأميركية حظر الاستثمار في الصين، أو منعت سداد مدفوعات السندات المستحقة للبلاد.
واتخذت العملة الأميركية منحنى هبوطياً في الأشهر الأخيرة، حيث يُتداول حاليّاً مؤشر الدولار، الذي يرصد أداء الورقة الخضراء أمام ست عملات رئيسة، عند أدنى مستوياته في عامين تقريباً. وتشير البيانات المتاحة إلى أن الورقة الأميركية الخضراء سجّلت خلال تعاملات الـ22 من مارس (آذار) الماضي، أعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات مقابل سلة العملات الرئيسة.
وحذّر الملياردير الأميركي أن الورقة الأميركية هي أسوأ عدو لنفسها، وقال: “أشعر بالقلق بشأن سلامة أموالنا”. وتوقع نشوب حرب أهلية أيديولوجية مع الجانب الصيني، مع الإشارة إلى أنه عند جمع ذلك مع اتجاه هبوطي في الاقتصاد حيث تُطبع النقود فإن ذلك يخلق مشكلات أكبر أمام الاقتصاد الأميركي.
وأوضح أنه لا يمكن الاستمرار في إدارة العجز أو بيع الديون أو طباعة الأموال بدلاً من الإنتاج والحفاظ على ذلك على مدى فترة من الزمن. وشدد على ضرورة العمل الجماعي للقيام بالأشياء الصحيحة والإنتاج وجني أرباح أكثر مما يُنفق من أجل تحقيق الاستقرار في قيمة العملة وتكوين ميزانية عمومية جيدة.
هل يتحوّل اليورو إلى ملاذ آمن؟
وفق وكالة بلومبيرغ، فإنه ومع تمرير حزمة تحفيز تاريخية في أوروبا، انطلق اليورو بسرعة ملحوظة، ليصل إلى أعلى مستوياته في غضون عامين، لكن هل تقترب العملة الأوروبية الموحدة من التحوّل إلى ملاذ آمن في سياق التحركات التي تخالف المألوف بشكل كبير في الآونة الأخيرة؟
قبل أيام، وافق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تدشين “صندوق التعافي”، الذي يهدُف إلى تخفيف الألم الذي أحدثه الوباء، الأمر الذي يقلل من خطر مغادرة دولة ما لمنطقة اليورو. ومن المقرر أن يُموّل صندوق التعافي من خلال سندات مدعومة بشكل مشترك، ما يعني أنها ستكون مجموعة واسعة من الديون المنخفضة المخاطر.
وحسب المتفق عليه، فإن 390 مليار يورو من إجمالي مبلغ صندوق التعافي البالغ 750 مليار يورو ستكون في هيئة منح، بينما من المفترض إنفاق بقية الأموال في شكل قروض، وهو ما يأتي بهدف مساعدة الدول الأوروبية الأكثر تضرراً من الوباء.
وبالنسبة إلى تحرّكات العملة، فإنه قبل إقرار حزمة التحفيز، كان الرأي السائد بين المحللين بأن اليورو سيصل إلى مستوى 1.15 دولار بحلول نهاية هذا العام. لكن بدلاً من ذلك، تسارع الاتجاه الصعودي في العملة الموحدة لتكسر حاجز 1.16 دولار في غضون ساعات بعد إتمام الصفقة التاريخية البالغ قيمتها 750 مليار يورو، وتكون عند أعلى مستوى منذ سبتمبر (أيلول) عام 2018.
وارتفع اليورو بذلك مقابل الدولار بنحو سبعة في المئة تقريباً منذ أوائل مايو (أيار) الماضي وحتى الآن، في حين أن العملة الأوروبية الموحدة صعدت ثلاثة في المئة خلال تعاملات الشهر الحالي، تحديداً حتى نهاية تعاملات الـ22 من يوليو (تموز).
وأشارت وكالة بلومبيرغ، في تقرير حديث، إلى أنّ صعود اليورو لا يتعلق فقط بصندوق التعافي، إذ توجد قوى أخرى أسهمت في قوة اليورو أخيراً، على رأسها ضعف العملة الأميركية، بسبب تضييق فروقات عوائد السندات، ومعاناة الولايات المتحدة في التعامل مع الوباء.
ويوجد سبب آخر يدفع العملة الأوروبية إلى أعلى، وهو أن صناديق التحوط لا تزال تتزاحم لتغطية المراكز البيعية في سوق الخيارات والتعاملات الفورية، مع حقيقة أن المؤسسات الاستثمارية بدأت للتو في إضافة مراكز شرائية، وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ نقلاً عن متداولين في أوروبا، لكنها لم تفصح عن هويتهم.
وحسب أحدث البيانات الصادرة عن لجنة تداول العقود الآجلة للسلع في الأسبوع المنتهي في الـ14 من يوليو الماضي، فإن مديري الأصول رفعوا مراكزهم الطويلة لأكثر من 300 ألف عقد في حين كانت عمليات الاقتراض بغرض البيع (المراكز البيعية) تبلغ 3200 عقد.
صندوق التعافي يعزز استقرار الاتحاد الأوروبي
ويشير التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي دفع اليورو خطوة أقرب إلى كونه ملاذاً آمناً، إذ إن صندوق التعافي سيجعل الكتلة أكثر استقراراً، كما أنّ إصدار السندات المدعومة بشكل مشترك سيعزز جاذبية العملة الموحدة في أوقات التوترات. لكن من الناحية النظرية، يعتبر اليورو بمثابة ملاذ آمن، إذ بلغ إجمالي ديون الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 دولة نحو 78 في المئة نسبة للناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء، وهو أقل من الولايات المتحدة أو اليابان.
كما أن منطقة اليورو تدير فائضاً في الحساب الجاري، ما يجعلها أقل اعتماداً على المقرضين الأجانب، فضلاً عن أن ثلث المدفوعات العالمية مقوّمة باليورو. ومع استمرار الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الوباء بشكل فعّال، فإن هذا يعني أن هناك مجالاً كبيراً لصعود العملة الأوروبية الموحدة بالنظر إلى أن التوقعات كانت هبوطية للغاية.
وإذا استمر التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو (من المتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي نحو 10.2 في المئة خلال العام الحالي) بوتيرة تهزم التوقعات، فسيترجم ذلك إلى مكاسب على صعيد العملة.
ويعتقد المحللون في مجموعة “ميزوهو” المالية أن يصل سعر صرف اليورو إلى مستوى 1.30 دولار إذا بدأت العملة الموحدة في الحصول على علاوة الملاذ الآمن. ومن شأن مسار أفضل للنمو في أوروبا أن يكون أمراً رئيسياً لدفع اليورو إلى الأعلى، وذلك حسب تقرير حديث لـ”دويتشه بنك”.
ومن المتوقع أن يُتداول اليورو عند مستوى 1.20 دولار بحلول نهاية العام، مع تخلص المستثمرين من الأصول الأميركية لشراء الأسهم والسندات الأوروبية.