الاقتصاد

هل نحتاج إلى معايير جديدة لقياس الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة كوفيد-19؟

تتجه جميع اقتصادات العالم نحو أسوأ انخفاض في أرقام الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2008، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بنسبة 10.4% في أول ثلاثة أشهر من العام 2020، وبنسبة 20.4% في شهر أبريل/نيسان وهو أكبر انخفاض منذ بدء تسجيله في العام 1997.

ويتوقع بنك إنجلترا، البنك المركزي في المملكة المتحدة، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 14% العام الحالي أو أكثر. وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي للعام الحالي من -3% إلى -4.9%.

وتخفي أرقام الناتج المحلي الإجمالي وتوقعاته تفاوتات عميقة في النظم الاقتصادية. إذ يخلط فيه بين نمو الأسواق والأسعار والازدهار. ويُفترض فيه أن صناعة واستهلاك وبيع أشياء أكثر ستُحسن من رفاهيتنا وجودة حياتنا.

وما زالت الدول تعتمد غالبًا على معدلات الناتج المحلي الإجمالي من أجل التخطيط الاقتصادي ورسم السياسة النقدية والمالية. وتستخدمه الشركات في الوقت ذاته لاتخاذ قرارات الاستثمار؛ مثل اختيار من يجب توظيفهم، والمشاريع التي يجب تطوريها، وتحديد القدرة على الاقتراض، وأسعار الفائدة. وأيًا كان شكل تعافي الاقتصاد فإن الناتج المحلي الإجمالي هو المقياس الأساسي المُتتبع والذي يبنى عليه التحرك مع ما يترتب على ذلك من آثار عميقة على حياتنا.

وتكررت الدعاوى منذ الحرب العالمية الثانية لإلغاء اعتماد الناتج المحلي الإجمالي خاصة بعد الانهيار المالي في العام 2007، إذ أظهر فشل بيانات ونماذج الاقتصاد الكلي في عكس واقع الاقتصاد. ولا يمكن التعامل مع الركود بالكامل من خلال الناتج المحلي الإجمالي، إذ يؤدي إلى تقليل الإنفاق على الصحة والبيئة والمجتمع والثقة، ما يشير إلى أن الرفاهية الاقتصادية قد تكون أسوأ بكثير مما هي عليه، إذ تقلل النماذج المُستخدمة بشكل منهجي من تناقص الثروة وتخفي تفاوتات الدخل المتزايدة المُغذية للاستياء السياسي.

وتتطلب الأزمات المركبة كتلك التي نعاني منها حاليًا، إعادة تشكيل اقتصادي. فالناتج المحلي الإجمالي غير كافٍ ومشوَّه ويحتاج إلى الاستبدال. إذ يتجاهل القيمة الاجتماعية، ومن أسو الاتجاهات الناتجة عن النظام الاقتصادي الحالي هي عدم المساواة وحالة الطوارئ المناخية. لأن الناتج المحلي الإجمالي يتجاهل استهلاك السلع الرأسمالية المادية والبيئية، ما يؤدي إلى هبوط دائم في الأصول البشرية والطبيعية حتى في حال ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي.

بدائل

ويوجد بدائل لقياس الانتعاش الاقتصادي بطريقة تعكس أولوياتنا، وتكمن الصعوبة في موازنة البساطة المفيدة والاختزالية مع الواقع المعقد لما يؤدي «لحياة جيدة.» وبرز نهج بديل أساسي يتمثل بالانتقال من مقياس واحد إلى مجموعة من المؤشرات، كالإسكان والصحة والبيئة، إذ سيعكس ذلك تعددية أبعاد الرفاهية ونوعية الحياة. ومن الأمثلة على ذلك مؤشر الحياة الأفضل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، ونسخته الشاملة للبيئة «مؤشر التنمية المستدامة.»

ويتفرع عن هذا النهج مؤشرات تقيس الازدهار على مستويات أكثر محلية؛ مثل مؤشر الأماكن المزدهرة. ويتمثل نهج آخر في سؤال الناس مباشرة عما يهمهم. وتتضمن النتائج مؤشر كوكب سعيد ومؤشر رفاهية قسمي الخاص، المركزة على رفاهية الناس ونوعية الحياة كما يرونها. ويتمثل اقتراح آخر في استخدام مقاييس فردية أخرى للناتج المحلي الإجمالي؛ مثل مؤشر التقدم الحقيقي، ويشمل التقديرات المالية للعمالة المنزلية دون أجر والأضرار البيئية وعدم المساواة في الدخل.

وتتجسد الخطوة المقبلة في تضمين هذه المقاييس في السياسة كأهداف. ونفذت نيوزيلندا في العام 2019 ذلك وأطلقت «ميزانيات الرفاهية» والمشتملة على 43 مؤشرًا في 12 مجالًا للرفاهية؛ مثل الإسكان والبيئة والتواصل الاجتماعي. وتقود أمستردام جهود تطبيق النهج في بلدان أخرى؛ وفقًا لموقع ذا كونفرزيشن.

وتختلف المقاييس من مجتمع إلى آخر، وما قد يُقاس على المستوى الوطني ليس بالضرورة أن يُقاس نفسه محليًا. وقد تساعد معرفة التفاوتات الموجودة في مجموعات معينة على إعادة توزيع الموارد على الأسر وداخلها.

وبينما نتعافى من الأزمة الحالية ونعيد بناء أنظمتنا الاقتصادية، نحتاج إلى نقاشات حول ما نُثمنه في الحياة والبدء في قياس الأشياء المهمة، وستجبر المقاييس الجديدة الدول على عدم السعي لإنعاش الناتج المحلي الإجمالي فقط دون استعادة العدالة الاجتماعية فضلًا عن التوازن البيئي.

رابط المقال

Copyright 2023 Kantakji.com - Developed by Kantakji-tech