التحكيم والشؤون القانونية

صياغة شرط الظروف القاهرة في العقد 

وفق أحكام القانون المدني، وفي ما يتعلق بالعقود الملزمة للجانبين، إذا أصبح تنفيذ التزام أحد الطرفين مستحيلا بسبب أجنبي لا يد له فيه، انقضى هذا الالتزام، وانقضت معه الالتزامات المقابلة على الطرف الآخر، وانفسخ العقد من تلقاء نفسه. فإذا كانت الاستحالة جزئية، كان للدائن، بحسب الأحوال أن يتمسك بالعقد فيما بقي ممكن التنفيذ أو أن يطلب     الفسخ. وأما في العقود الملزمة لجانب واحد، إذا أصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه، انفسخ العقد من تلقاء نفسه. فإذا كانت الاستحالة جزئية، كان للدائن أن يتمسك بالعقد فيما بقي من الالتزام ممكن التنفيذ. وإذا انفسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وفي نفس الحدود المقررة وفق القانون في شأن الفسخ.

 هذه هي الأحكام القانونية العامة التي تحكم تنفيذ استحالة التنفيذ بسبب أجنبي لا يد للمتعاقدين فيه. وهذا ما يعرف بنظرية “الظروف القاهرة” التي تحدث فجأة أثناء التنفيذ دون تدخل أطراف العقد، ومنها تأتي حالة “القهر” للأطراف والتي تقود إلى انفساخ العقد من تلقاء نفسه وبالتالي تحلل الأطراف من تنفيذ الالتزامات.

وبسبب هذا، تشير معظم العقود للظروف القاهرة والحالات التي تشكل هذه الظروف القاهرة. والعقد شريعة المتعاقدين، وما تم تدوينه في العقد هو الذي يسود ويحكم العلاقة القانونية بين أطراف العقد. ولهذا، لا بد من التنبيه والحذر عند صياغة شرط القوة أو الظروف القاهرة في العقد. سألني أحد رجال الأعمال من أيام، هل يجب أن يكون مكتوبا في العقد أن “كورونافايرس” يعتبر حالة من حالات الظروف القاهرة، وإذا لم يكن مكتوبا صراحة فكيف نعتبره حالة من حالات القوة أو الظروف القاهرة التي تقود لفسخ العقد وتحلل أطراف العقد من الالتزامات التعاقدية. 

لمعالجة مثل هذه الأوضاع وخاصة الأسئلة التي تتمخض عنها، نقول أن صياغة فقرة “الظروف القاهرة وحالات الظروف القاهرة” يجب أن تكون واضحة للدرجة التي تمكن من يطلع عليها أن يفهم ما يرمي اليه أطراف العقد عند إبرامه. ففي حالة الكورونا مثلا، فان الإشارة لظهور الوبائيات أو الأمراض الفتاكة المزمنة ، تكفي في نظرنا لاعتبار ظهور الكورونا حالة من حالات الظروف القاهرة. وإذا لم يتضمن العقد حالات القوة أو الظروف القاهرة، أو إذا لم تكن في العقد أي إشارة بتاتا للأوبئة والأمراض الفتاكة المزمنة ، فان الوضع قد يكون ضبابيا لحد ما لانعدام الرؤية.

أذكر في بعض الحالات، عدم اتفاق الأطراف على اعتبار “الحرب” من ضمن حالات الظروف القاهرة خاصة وأن هناك تاريخ حروب متبادلة بين بلديهما. ولم يوافق الطرف أثناء النقاش على أن حدوث الحرب يفسخ العقد، لأن العمليات الحربية دائما تحدث والعديد من الأعمال الروتينية مستمرة بصورة تلقائية دون تأثر. أيضا، في معظم عقود الإنشاءات الآن في اليابان، نجد أن بعض الأطراف لا يوافقون على اعتبار الهزات الأرضية (ايرث كويك) من حالات الظروف القاهرة لأنهم في اليابان “البلد المعجزة” طوروا أو استحدثوا طرقا فنية للبناء تجعل المبني يقاوم الهزات الأرضية ولا ينهار بل يصمد بسبب طريقة البناء المعدة خصيصا للتطبيق في حزام الهزات الأرضية الذي تعتبر اليابان جزءا منه. وهكذا طوروا أعمالهم للبقاء وللتعايش مع الطبيعة وأصبحت الهزات الأرضية أمرا واقعا ويمكن التعامل معه وبالتالي ليس “ظروف قاهرة” لهم لأنهم هم من أصبح “القوة”. 

وهناك الكثير من الأمثلة المثيرة، فإذا تعاقدت مع شركة مثلا في بلد تكثر فيه المظاهرات والاضطرابات والمقاومة والاحتجاجات المدنية، فمن الأفضل عدم قبول مثل هذه الحالات من ضمن حالات الظروف القاهرة، والا ستكون هذه الفقرة لصالح الطرف الآخر على حسابك لأنه قد يتنصل من المسؤولية بسبب هذه الأمور التي يراها في بلده يوميا وهو يسير هادئا في الطرقات ويمارس حياته بصورة تلقائية دون خوف أو وجل. فأين الظرف القاهر له؟

ان مفهوم “القوة القاهرة” بالطيع يختلف من حالة لحالة ولكل حالة لبوسها وقياسها. ولا يمكن أن نضع معيارا ثابتا محددا “ياردستك” نتبعه في جميع الحالات والظروف، وفي حالات كثيرة لا يتفق الأطراف في اعتبار بعض الحالات من ضمن “الظروف القاهرة”، وما يحدث الآن بعد كورونا خير دليل حيث يتشدق الكثيرون بأنه لا يعتبر حالة “قوة قاهرة”.

 ولتجنب مثل هذه “الدربكة” ولتجاوز “عدم اليقين” وللوصول بالسفينة لبر الأمان وعلى ظهرها أطراف العقد، فاننا ننصح بضرورة، ونرى أهمية العناية بصياغة شرط “الظروف القاهرة” في العقد وبصورة لا لبس فيها وفق نية الأطراف المتعاقدة عند التعاقد.وننصح بالابتعاد عن “القطع واللصق” لأن لكل عقد ظروفه الخاصة به وتفرده عن بقية العقود المتداولة، ولذا، علينا تفصيل الشروط والحالات المناسبة لنا. 

 

وبهذا التصرف، نكون وضعنا اللبنة القانونية السليمة لضمان تنفيذ العقد بسلاسة أو الفسخ عند “الاستحالة” التي تم تضمين بنودها في فقرة واضحة في العقد وعلى حسب اتفاق الأطراف. ويقول الحكماء “ما أوله شرط آخره نور” ولنستفيد من حكمة الحكماء في معاملاتنا.

Copyright 2023 Kantakji.com - Developed by Kantakji-tech