للسلطات الضريبية دور في مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تجاوز جائحة كورونا
تقوم الشركات الصغيرة والمتوسطة بدور أساسي في الاقتصاد العالمي، وعلى الأخص في البلدان النامية. وفي العديد من البلدان، فإن أكثر من 90% من جميع الشركات هي منشآت صغيرة ومتوسطة، عادة ما تضم أقل من 250 موظفا، ويمكن تصنيف نسبة كبيرة من تلك المنشآت ضمن الشركات متناهية الصغر، وهي التي تضم أقل من عشرة موظفين بحسب منظمة العمل الدولية. وبينما تكافح معظم الشركات حول العالم في ظل جائحة فيروس كورونا، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة على وجه التحديد تتسم بالهشاشة وربما تفتقر إلى السيولة النقدية الكافية للحفاظ على استمرارية عملياتها. وتظهر بيانات حديثة أن 58% من الشركات الصغيرة والمتوسطة القائمة أعلنت عن انخفاض المبيعات مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي. وأعلن ما يزيد عن نصفها (51%) تراجع المبيعات بأكثر من 50%، في حين لم يتمكن الكثير منها من مواصلة النشاط.
وقد اتخذت السلطات عدة تدابير لتخفيف الضغوط الناجمة عن الجائحة. وشمل ذلك إرجاء سداد الضرائب و/أو اشتراكات الضمان الاجتماعي، وتمديد الموعد النهائي لتقديم الإقرارات الضريبية، وخفض أسعار الفائدة، والإعفاء من مدفوعات الضرائب أو إلغائها، والإعفاء من مدفوعات الفائدة و/أو غرامات السداد المتأخر وتعجيل استرداد الأموال.
وفي حين أن معظم التدابير على صعيد السياسات العامة والضرائب قابلة للتطبيق على الشركات من جميع الأحجام، فإن البعض منها يستهدف على وجه الخصوص الشركات الصغيرة والمتوسطة وقد يخفف إلى حد كبير من مشكلات السيولة في الأمد القصير وكذلك يقلص أعباء الامتثال. فعلى سبيل المثال، قلصت كوريا الجنوبية الضريبة على دخل الشركات لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة في بعض المناطق التي صُنفت بأنها مناطق كوارث وخفضت ضريبة القيمة المضافة على الشركات الصغيرة عبر زيادة حد التسجيل. وعجّلت المجر من عمليات استرداد ضريبة القيمة المضافة للشركات الصغيرة والمتوسطة إذ أصبح بإمكان هذه الشركات استرداد الأموال خلال 30 يوما من تقديم الطلب بدلا من 75 يوما. وفي نيوزيلندا، تم رفع حد سداد الضريبة المؤقتة إلى خمسة آلاف دولار نيوزيلندي، لخفض الضغط على التدفقات النقدية للشركات الصغيرة. ودشنت إيطاليا 278 تدبيرا في الفترة بين 5 مارس/آذار و22 أبريل/نيسان، وذلك باستهداف ستة مجالات على المستوى الكلي، من بينها تخفيف العبء الضريبي وتدابير تمويلية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والعاملين بها.
وعلى الرغم من تلك الجهود الجارية، وعلى الرغم من أن العديد من الاقتصادات تستأنف نشاطها، فإن بعضها يواجه موجة ثانية من الجائحة، ولازالت شركات عديدة تواجه صعوبات كي تحقق أرباحا وربما حتى تواجه خطر الإفلاس. وبات من الأهمية بمكان إجراء التخطيط بشكل إستراتيجي من منظور السياسات والإدارية الضريبية لمساعدة الشركات على التعافي، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة.
واتخذت عدة حكومات إجراءات حاسمة على صعيد السياسات لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على المدى الطويل. فقد قلصت شيلي معدل الضريبة على دخل الشركات من 25% إلى 12.5% للشركات الصغيرة والمتوسطة للسنوات المالية 2020، و2021، و2022. وفي اليابان، تم تخفيض عبء ضريبة الأصول الثابتة وضريبة تخطيط المدن على الأصول القابلة للإهلاك ومباني الشركات للشركات الصغيرة والمتوسطة إلى 0.5% أو صفر لمدة عام واحد من الفترة الضريبية لسنة 2021. ومددت أستراليا دعمها للأجور بنسبة 50% للشركات الصغيرة المؤهلة لذلك حتى 31 مارس/آذار 2021، ووسعت نطاق هذه الميزة لتشمل المزيد من الشركات المتوسطة التي توظف أقل من 200 شخص.
والإدارة الضريبية تشمل مجالا لتقديم دعم أكبر للشركات الصغيرة. فعلى سبيل المثال، خلقت الجائحة طلبا على الإدارة الإلكترونية. وبينما تتسارع إتاحة الخدمات الإلكترونية لدافعي الضرائب، قد تستثمر السلطات في البنية التحتية للتكنولوجيا لإتاحة المزيد من الأتمتة وتحسين الإمكانات الرقمية والقدرة على إدارة المخاطر. بالإضافة إلى ذلك، ينشر العديد من البلدان تعديلات أو أحكاما جديدة للقوانين والقواعد التنظيمية القائمة تهدف إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة (مثل غينيا الاستوائية وشيلي) وسيتطلب الأمر أن تتواصل الحكومات على نحو فعال مع الشركات لتعظيم مزايا تلك القوانين الجديدة. وتقدم دائرة الإيرادات في جورجيا المساندة عن طريق خط هاتفي حكومي ساخن، تم تطويره خلال الجائحة للرد على جميع الأسئلة المرتبطة بحالة الطوارئ والقواعد التنظيمية الجديدة. وتقدم ليتوانيا الدعم للأفراد والشركات التي تواجه مصاعب مالية بسبب فيروس كورونا، ويجري تطبيق قاعدة “المنفذ الواحد” على الطلبات التي تتلقاها مصلحة الضرائب أو مجلس إدارة الصندوق الحكومي للتأمين الاجتماعي.
ويمكن أن تتولى مصلحة الضرائب مسؤوليات جديدة لدعم الإجراءات الحكومية الأوسع نطاقا والمساهمة في معالجة تأثيرات جائحة فيروس كورونا. وتقدم الحكومة الإسرائيلية منحا لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة لتغطية المصروفات الثابتة التي لا يمكن توفيرها، وشاركت مصلحة الضرائب الإسرائيلية في تصميم السياسات والحلول من البداية، استنادا إلى بيانات قائمة متاحة لديها. ويقسم هذا النموذج على وجه التحديد الشركات الصغيرة إلى ثلاث مجموعات (بناء على بيانات حجم التعاملات في 2019) ويضع “مفتاحا للتخصيص” لتحديد معدلات التعويض للمجموعات المختلفة. ويعزز هذا نظام المنح ويضمن تطبيقه بسلاسة.
ونظرا لأن إدارات الضرائب تملك القدرة على الوصول إلى بيانات عدد هائل من دافعي الضرائب، فإنها قادرة على معالجة وتحليل البيانات الإحصائية التي قد تكون مفيدة حين يتم تصميم إجراءات اقتصادية محددة الهدف. وفي البرتغال، تقدم إدارة الضرائب معلومات دافعي الضرائب لبقية الهيئات الحكومية لمساعدتها على تحديد دافعي الضرائب المؤهلين للحصول على الدعم. كما تساعد السلطات الحكومية الأخرى في تقييم العجز في دخل دافعي الضرائب كي يتمكنوا من الاستفادة من تخفيضات الإيجارات حين تقتضي الضرورة. ويمكن للتعاون بهذا الأسلوب بين الكيانات الحكومية وتقاسم المعلومات الداخلية دعم مثل تلك العمليات. لكن الجدير بالذكر أنه يتعين على إدارة الضرائب النظر في المخاطر المرتبطة بالبيانات وحماية الخصوصية والتشاور مع السلطات المعنية بحماية البيانات بشأن تقاسم بيانات الغير.
في الوقت ذاته، يجب أن تواصل السلطات الضريبية أيضا مراقبة وتحليل الأثر الممتد للأزمة. وتشهد الاقتصادات تراجعات حادة للإيرادات الضريبية بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي وسياسات ضريبية مثل تأجيل المدفوعات وخفض معدلات الضرائب. وفي الأمد القصير، قد تساعد تلك السياسات الشركات على حل مشكلات التدفقات النقدية وتجاوز الأزمة، لكن في الأمدين المتوسط إلى الطويل، قد تحتاج السلطات إلى أن ترفع بحذر الإيرادات الضريبية لتيسير التعافي وتعزيز مرونة الاقتصاد. وربما يتحول التركيز من تقديم الدعم إلى بناء القدرات للتكيف مع المطالب الجديدة للاقتصاد بعد الجائحة. وربما تكون هناك حاجة لإعادة النظر في الهيكل الحالي للضرائب، وإعادة تصميم السياسات الضريبية، وتوسعة النظام الضريبي الرقمي.
وعبر تقديم الدعم المناسب، ربما تعزز الشركات الصغيرة والمتوسطة التعافي الاقتصادي. ويمكن للحكومات استغلال هذه الفرصة، وتعزيز استدامة المالية العامة في الأجل الطويل، عبر مبادرات الضرائب المناسبة. وتقوم السلطات الضريبية، على الأخص في البلدان النامية التي يزداد فيها حجم القطاع غير الرسمي، بدور مهم في تقييم ومراقبة الاحتياجات والتحديات التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم الضروري.