وباء كورونا الصيني ونظرية الظروف الطارئة
تفاجأت الصين ومعها كل العالم بظهور فيروس كورونا الذي أصبح وباءا ووبالا على الجميع مع وفاة الآلاف داخليا وخارجيا. والصين ظلت لفترة طويلة تعمل في زخم شديد للوصول للصف الأول في ميادين التجارة والصناعة والحركة الاقتصادية العالمية. وعبر هذا الزخم وصلت التجارة الصينية لكل ركن في العالم، ولدى الصين عقود تجارية متنوعة متعددة لا حصر لها مع الدول والشركات والأفراد. وظلت الصين تعمل بهمة فائقة لتنفيذ هذه العقود التجارية وظلت تبحث عن المزيد والمزيد بدون هوادة.
وظهر فيروس “كورونا” في الصين، وربما يحتاج الصينيون والعالم لبعض الوقت لمعرفة أسباب الظهور الفجائي، لهذا المرض الذي بدأ يحصد في الأرواح في عدة دول. وبعد ظهور “كورونا” كأمر واقع وحقيقة دامغة، أعلنت الصين عن عدة خطوات احترازية للسيطرة على المرض وكسر زيادته وانتشاره. ولهذا، تم قفل المدن ومنع الكثير من الناس من التحرك ومن تأدية العمل، وكذلك من الجهة الأخرى اتخذ العالم خطوات أكثر احترازية وتوقف سيل الوفود البشرية التي كانت تصل الصين وتوقف العمل التجاري وتم رفع شعار الابتعاد عن الصين وعن كل ما يأتي من الصين خوفا من بعبع كورونا القاتل.
الآن هناك عقود تجارية كثيرة وهناك بضائع وبشر في الطريق من الصين للعالم وهناك التزامات حان وقتها وحل أجلها ويجب الوفاء بها وهناك الكثير، وفجأة ظهر مارد “كورونا” في بلاد الصين المليئة بالبشر. ما يهمنا، في ما حدث، الوضع القانوني للعقود والالتزامات القائمة بين الصين والعالم الآخر المتعامل معها ليلا ونهارا.
من دون شك، أن ما حدث كارثة ويعتبر “أمرا طارئا ” لم يكن متوقعا ولم يكن في الحسبان من قريب أو بعيد. والسؤال، هل يمكن تطبيق نظرية “الظروف الطارئة” أو نظرية “الظروف القاهرة” ؟ وقانونا هناك فرق بين الحالتين وفقا للشروط التي وفرها القانون وحيثيات الأمر والوقائع الماثلة أمامنا وكل حاله على حدة.
معظم التشريعات، تناولت نظرية “الظروف الطارئة” وقامت بوضع أمثلة للحالات التي قد تشكل أو تعتبر من الظروف الطارئة مثل الحروب، الأوبئة، هلاك المحصول التام وغير ذلك من الأحداث الطبيعية الاستثنائية التي تحدث لأسباب طارئة خارجة عن الإرادة. وكل التشريعات عند تناولها لمثل هذه الظروف الاستثنائية العامة التي لم يكن في الحسبان توقعها، وأن أمر تنفيذها صار مرهقا بحيث يهدد بخسائر فادحة، اشارت اليها مع النظر في تطبيق “الظروف الطارئة” التي تمنح المحاكم الحق في التدخل من أجل “الموازنة” بين مصلحة الأطراف المتعاقدة.
الكثير من فقهاء القانون تناولوا “الظروف الطارئة” وتم الاتفاق بأنها، كل حادث عام لاحق على تكوين العقد، وغير متوقع الحصول أثناء التعاقد، وينجم عنه اختلال بين في المنافع المتولدة عن العقد، وينجم عن ذلك الوضع تراخي في التنفيذ إلى أجل أو آجال، بحيث يصبح تنفيذ الطرف المتعاقد لالتزامه وفق شروط العقد “مرهق”. وكذلك فان الظروف الطارئة هي “حالة عامة غير مألوفة أو غير طبيعية، أو واقعة مادية عامة لم تكن في حسبان المتعاقدين وقت التعاقد ولم يكن في وسعهما ترتيب حدوثها بعد التعاقد، ويترتب عليها أن يكون تنفيذ الالتزام التعاقدي مرهقا ويهدد بخسارة فادحة وان لم يصبح التنفيذ مستحيلا”. وقانونا، إذا أصبح التنفيذ مستحيلا، يتغير الوضع القانوني ويتم تطبيق نظرية “القوة القاهرة” التي تؤدي لانفساخ العقد تماما لاستحالة التنفيذ.
لا أعتقد أن ماحدث في الصين بسبب وباء “كورونا”، يصل لمرحلة استحالة التنفيذ، بل هو ممكن لكنه يصل الي مرحلة الإرهاق في التنفيذ، وذلك لصعوبة الحركة البشرية والمعدات اللوجستية ووسائل الترحيل وغيره. وهذا قد يكلف أموال إضافية لتغطية المستجدات ويكلف فترات زمنية إضافية للتصنيع أو التركيب أو التسليم أو الشحن وخلافه. وكل هذا، قد يجعل التنفيذ والتحلل من الالتزام “مرهقا” ولكنه ليس مستحيلا استحالة تامة. نتوقع حدوث خلافات قانونية كثيرة أمام المحاكم أو هيئات التحكيم، بين الشركات الصينية من جهة والأطراف المتعاقدة معها. وقطعا هناك دفوع قانونية وبصفة خاصة نظرية “الظروف الطارئة” التي نرجحها، أو ربما يجنح البعض ويلجأ لنظرية “الظروف القاهرة” التي نستبعدها. ونتطلع لما ينجم عنه الوضع من قرارات المحاكم أو التحكيم. وفي جميع الأحوال، نأمل أن تتمكن الصين من السيطرة على الوباء والقضاء عليه في أسرع وقت لصالح الجميع ولتعود لوضعها المتقدم في دعم التجارة العالمية.