حقبة اقتصاد الهيدروجين ومستقبل العالم | إم آي تي تكنولوجي ريفيو
مستقبل البيئة
يعد الهيدروجين هو الخطوة الأولى نحو مستقبل أكثر إشراقاً ونحو تأسيس حقبة اقتصاد الهيدروجين فيما بعد حقبة اقتصاد الكربون.
نشرة خاصة من ميتسوبيشي باور
لقد وصل العالم إلى نقطة حرجة في سباقه ضد ظاهرة الاحتباس الحراري، وبينما تحاول قطاعات الطاقة التقليدية القائمة على انبعاثات الكربون اعتمادَ مصادر الطاقة المتجددة بالمعدلات المطلوبة، إلا أن جهودها على تلك الجبهة ما زالت تبدو عاجزة عن تحقيق أهدافها. وقد أصبحت مواجهة هذا التحدي أكثر إلحاحاً الآن من أي وقت مضى؛ حيث يحتاج العالم إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة بشكل كبير خلال الثلاثين عاماً المقبلة من أجل تحقيق الهدف المنصوص عليه في اتفاقية باريس للمناخ، والذي يدعو إلى تطوير تقنيات الطاقة المستدامة. وفي هذا السياق، يعد الهيدروجين أحد الحلول المتاحة، والتي أضحت تكتسب مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة لتحفيز الجهود العالمية للوصول إلى هدف المحصلة الصفرية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050.
ويلعب الهيدروجين دورين رئيسيين في تمكين زيادة استخدام الكهرباء المتجددة بالإضافة إلى إزالة الكربون من كل جزء من الاقتصاد العالمي، ومن بين ذلك القطاعات التي كان من الصعب تاريخياً نزع الكربون منها باستخدام مصادر الطاقة المتجددة وحدها. ومع ذلك، فإن قدرة الهيدروجين على لعب دور رئيسي في إزالة الكربون من كوكبنا تعتمد إلى حد كبير على إيجاد طريقة فعّالة من حيث التكلفة لإنتاجه دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون.
ويتطلب جعل الهيدروجين مصدر طاقة غير منتج لغاز ثاني أكسيد الكربون إما باستخدام وتخزين ثاني أكسيد الكربون المشتق من هذه العمليات الحالية، أو إنتاج الهيدروجين من التحليل الكهربائي بواسطة الطاقة المتجددة.
الهيدروجين الأزرق يقودنا نحو الاستدامة البيئية
عندما يتعلق الأمر بإنتاج الهيدروجين، فإن التحول من الأسلوب الغالب “الرمادي” (الطرق التقليدية للإنتاج من الوقود الأحفوري) إلى “الأخضر” (التحليل الكهربائي باستخدام الكهرباء من المصادر المتجددة) أو مزيج من “الأخضر” و”الأزرق” [التقاط الكربون وتخزينه أو التقاط الكربون واستخدامه]، وهي الطريقة التي تتطلب تقنيات متقدمة لتصبح تنافسية من حيث التكلفة. ولا شك أن جزءاً كبيراً من عملية جعل الهيدروجين الأخضر والأزرق مُجدِيَيْن اقتصادياً سيتطلب تسعيراً مؤثراً لسعر الكربون لتحفيز مثل هذه الاستثمارات.
وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون مجرد مسألة وقت قبل أن يصبح إنتاج الهيدروجين الأزرق باستخدام تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه فعالاً من حيث التكلفة، فإن الاستثمار على نطاق واسع وزيادة وفورات الحجم أمر بالغ الأهمية لكي يصبح الهيدروجين الأخضر مجدياً اقتصادياً.
ومن المرجح أن يظل الهيدروجين الأخضر يمثل تحدياً خلال العقد القادم؛ حيث يتطلب الأمر تخصيص المزيد من الكهرباء المتجددة لإنتاجه. بيد أن القضية الأهم حالياً من حيث التكلفة هي تقنية التحليل الكهربائي؛ ففي حين أن عملية التحليل الكهربائي تعد تقنية قديمة، إلا أنها تعاني حالياً من نقص وفورات الحجم. وقد انعكس ذلك على عملية تطور وتقدم سلسلة إمداداتها؛ ما أدى إلى تأخرها، وقد كان لهذا التأخر نتائجة السلبية التي جعلت تكلفة المعدات والإنتاج باهظة الثمن نسبياً. ومع ذلك، ومع استمرار نمو قدرات الطاقة المتجددة، فإن التكاليف المنخفضة لإنتاج الطاقة المتجددة تعد مؤشراً واعداً على أن إنتاج الهيدروجين الأخضر سيكون قابلاً للتطبيق، شريطة أن تحذو تكلفة المحلل الكهربائي حذو الطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من تلك العقبات يظل الهيدروجين الأزرق خياراً مفيداً، بل ضرورياً، لتحويل إنتاج الطاقة؛ وذلك نظراً لأن نظيره الأخضر يفتقر إلى كل من القدرة الإنتاجية والقدرة التنافسية من حيث التكلفة على المدى القصير.
ونظراً لأنه يمكن استخدام احتياطيات الوقود الأحفوري في عملية التصنيع، فمن المحتمل جداً أن تكون شركات النفط الكبرى أكثر تقبلاً للهيدروجين الأزرق. كما أنه من خلال تأسيس البنية التحتية اللازمة وتحفيز عملية تبني وتطبيق تقنيات الطاقة القائمة على الهيدروجين، فمن الممكن للهيدروجين الأزرق أن يلعب دوراً مهماً في تمهيد الطريق لظهور نظيره الأخضر، خصوصاً إذا استمرت أسعار الطاقة المتجددة في الانخفاض مستقبلاً.
وتعد عمليات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه هي المفتاح الأساسي لتوسيع نطاق إنتاج الهيدروجين على المدى القصير إلى المتوسط؛ وذلك لأن استخدام الهيدروجين الأزرق لتنشيط عمليات التوريد وتعزيز نمو الطلب على الغاز، سيضمن جاهزية السوق عندما يحين الوقت الذي تصبح فيه مشاريع الهيدروجين الخضراء قابلة للتطبيق تجارياً.
التمكين من زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة
في حين أن المصادر المختلفة للطاقة من الممكن أن تسهم في خفض تبعات تغير المناخ، فإن توليد الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة واستخدام تقنيات كفاءة الطاقة توفر المسار الأمثل لتحقيق تخفيضات كبيرة فيما يخص الانبعاثات. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا”، فإنه يتوجب أن ترتفع الحصة الإجمالية للطاقة المتجددة عالمياً من 19% في عام 2017 من إجمالي إمدادات الطاقة الأولية إلى الثلثين (نحو 66.67%) بحلول عام 2050. وبالتوازي مع ذلك، يحتاج الاقتصاد العالمي إلى خفض كثافة الطاقة بنسبة 2.8% سنوياً في المتوسط بحلول عام 2050، وذلك بالمقارنة مع الانخفاض السنوي البالغ 1.8% الذي تحقق خلال السنوات الأخيرة. ومن شأن توفير الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة أن يحقق التخفيضات المطلوبة للكربون بنسبة تصل إلى 90% باستخدام تقنيات مستقرة ومتوافقة ومتوافرة.
ويمكن للمصادر المتجددة الآمنة والموثوقة والميسورة التكلفة والمتاحة على نطاق واسع -مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية- أن تساعد في خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن التوليد التقليدي للطاقة القائم على الوقود الأحفوري. ورغم أن الطاقة المتجددة قد بدأت تحصل على نسبة أعلى من مزيج توليد الطاقة، إلا أن عدم استقرارها ما زال يمثل تحدياً. وهذا يعني الحاجة الماسة والأكثر إلحاحاً اليوم إلى توفير قدرات تخزين الطاقة على نطاق واسع لخفض حدة الاختلاف بين العرض والطلب.
ومن مميزات الهيدروجين أنه يعمل على تحسين أنظمة الطاقة لإنتاج الطاقة المتجددة؛ ما يسهم في توسيع الحصة السوقية لقطاع الطاقة المتجددة. كما يتمتع بالقدرة على تحسين اقتصاديات استثمارات الطاقة المتجددة، وتعزيز أمن إمدادات الطاقة والعمل كوقود موسمي خالٍ من الكربون عند تخزينه، وتوفير الطاقة عندما يكون إنتاج الطاقة المتجددة منخفضاً والطلب على الطاقة مرتفعاً.
الاستثمار في حلول الطاقة من أجل المستقبل
يأتي الطلب على الطاقة في هذه المنطقة مدفوعاً بعوامل مختلفة، من بينها القاعدة السكانية المتزايدة والتوسع الاقتصادي والإصلاح والتنويع وتوسيع القاعدة الصناعية. ومن المتوقع أن يشهد استهلاك الطاقة في منطقة الشرق الأوسط نمواً بنسبة 1.1% سنوياً حتى عام 2050، نتيجة لتزايد اتجاهات الكهرباء والمشاريع الحضرية، فضلاً عن التوسعات في مختلف الصناعات ذات الكثافة العالية للطاقة، وذلك بحسب تقرير شركة بريتش بتروليم لمستقبل طاقة العالم 2020.
ولتحقيق التوازن بين خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بهدف تخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري وفي الوقت ذاته ضمان وجود إمدادات مستقرة من الطاقة، فمن المهم الجمع بين شبكات الطاقة المتقدمة التي تم إنشاؤها باستخدام مصادر طاقة مركزية ومصادر الطاقة الموزعة عالية الكفاءة ضمن أفضل مزيج من حيث الجودة والكمية. ويمر منتجو الطاقة حالياً بمراحل مختلفة من الاستغناء عن محطات الفحم غير الاقتصادية والمثقلة بالانبعاثات، وبدؤوا في اعتماد شبكات طاقة خالية من الكربون ومرنة وموثوقة وبأسعار معقولة ومرنة. وفي محاولة لإثبات أعمالهم وأنظمتهم في المستقبل، يستبدل بعض منتجي الطاقة هذه المحطات بمزيج من مصادر الطاقة المتجددة ومحطات تعمل بالغاز الطبيعي، بينما بدأ آخرون يستكشفون استخدام الهيدروجين في توربيناتهم.
ويتطلب الانتقال الحالي من خيارات الطاقة عالية الكربون إلى خيارات الكربون الأقل حدوثَ انخفاض في استهلاك الوقود الأحفوري وزيادة قيمة الوقود القائم على مصادر الطاقة المتجددة من أجل تعزيز القدرة على التحكم في نفقات التشغيل وتجنب ارتفاع التكلفة.
ولطالما شاركت ميتسوبيشي باور (MITSUBISHI POWER) في تطوير الحلول والعمليات التشغيلية للطاقة، التي تتيح القدرة على الانتقال إلى استخدام الهيدروجين في القطاعات الصناعية، وأن يكون الوقود النظيف المفضل لديهم الذي سيقودنا إلى مستقبلٍ خالٍ من الكربون. وفي عام 2018، طورت الشركة واختبرت على نطاق واسع وبنجاح توربيناً يعمل بالغاز قادراً على استخدام وقود يتكون من 70% من الغاز الطبيعي و30% من الهيدروجين. ونظراً لأن هذه التقنية تتيح استخدام وحدات توليد الطاقة الحالية، فإن ذلك يسهم في عمليات تعديل على نطاق واسع لمرافق توليد الطاقة. ومن شأن ذلك أيضاً أن يمكّن من خفض التكاليف بشكل كبير ويقلل عقبات التشغيل بما يعزز الانتقال السلس نحو مجتمع الهيدروجين.
تخزين طاقة الهيدروجين
إن إطلاق العنان للإمكانات الكامنة للهيدروجين لتأسيس مجتمعات واقتصادات خالية من الكربون سيعتمد على تحديد أنسب طرق التخزين لكل استخدام. وهو أمر لا يتعلق بالإمكانيات التقنية وحسب وإنما أيضاً بالجدوى الاقتصادية.
ويعد تخزين طاقة الهيدروجين عملية يتم فيها تحويل الطاقة الكهربائية إلى هيدروجين. يمكن بعد ذلك إطلاق هذه الطاقة مرة أخرى باستخدام الغاز كوقود في توربينات الغاز أو خلايا الوقود. إن تقنيات التخزين الأخرى مثل البطاريات أو الطاقة الكهرومائية للتخزين بالضخ وتخزين طاقة الهواء المضغوط، جميعها لها قيود يمكن أن نتغلب عليها من خلال تخزين طاقة الهيدروجين.
وفي حين تشتهر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمصادر الطاقة التقليدية، فقد كان هناك على مدى السنوات القليلة الماضية العديد من المشاريع التي برهنت على جهود المنطقة للبحث عن تقنيات الهيدروجين وتطويرها من بين مصادر أخرى للطاقة المتجددة. ويعمل مشروع نيوم العملاق في المملكة العربية السعودية على تطوير ما يُعتقد حالياً أنه أكبر منشأة للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في العالم، والتي ستعمل بطاقة متجددة بنسبة 100%، وسيدفع المشروع نيوم والمملكة إلى طليعة سوق الهيدروجين العالمي ويضعها كلاعب مهم في مستقبل إنتاج الطاقة المستدامة.
ويأتي الهيدروجين مصدراً واعداً للطاقة ولاعباً رئيسياً في قطاع الطاقة في المستقبل، وهو البديل الأنظف للوقود الأحفوري؛ حيث إن مزاياه الفريدة تجعله فرصة استثمارية جذابة بشكل خاص للأعمال والدول وقد بدأ العالم في الانتباه إلى ذلك.
تغيير قواعد اللعبة والحلول المنظمة
تتسارع وتيرة تطور وتقدم الحلول القابلة للتطبيق للتغلب على التحدي العالمي لإزالة الكربون في جميع أنحاء العالم. وتضع الدول إستراتيجيات لتحقيق المحصلة الصفرية لانبعاثات الكربون ضمن خطط انتقالها نحو إمدادات طاقة آمنة وفعّالة من حيث التكلفة ومستدامة بيئياً. ويظل الهيدروجين هو المنافس الأول والعامل التمكيني الأقوى لهذا التحول العالمي للطاقة، وفي الوقت ذاته سيعمل محفزاً لإيجاد المرونة المطلوبة للاقتصاد منخفض الكربون. ويعد الهيدروجين هو الخطوة الأولى نحو مستقبل أكثر إشراقاً ونحو تأسيس حقبة اقتصاد الهيدروجين فيما بعد حقبة اقتصاد الكربون.