تصميم مدن المستقبل: كيف يؤدي تنافس المدن العالمية إلى تأمين مستقبل قطاع السياحة
السياحة من أهم القطاعات في العالم
في القرن الحادي والعشرين أصبحت السياحة من أكبر القطاعات في الاقتصاد العالمي، فأصبح يعمل فيها واحد من كل 10 موظفين في العالم، لتكون بهذا من أهم أركان النمو الاقتصادي. وفي العام الماضي قبل جائحة كوفيد-19، وصلت إيراداتها نحو 8.9 تريليونات دولار، أي ما يساوي 10.3% من الناتج المحلي الإجمالي عالميًّا.
وبازدياد أهميتها في الاقتصادات المحلية ازداد تنافس المدن في أن تكون وجهات سياحية جذابة. ومع أن الوجهة السياحية التي يختارها السائح متوقفة على عوامل عديدة (التكلفة والموقع الجغرافي والفنون والثقافة والمأكولات)، فإن صورة كل مدينة غالبًا ما ترسمها قبل كل شيء: جمالياتها وهندستها المعمارية.
التصاميم الفريدة
للمباني والبِنى التحتية من الطُّرق، والمؤسسات الفنية والثقافية أثر كبير في سياسات التنمية الحضرية، وتوفُر المساحات الخارجية، لكن الجانب السلبي أن التجمعات الحضرية أصبحت متشابهة أكثر فأكثر اليوم في عصر المدن العالمية والتنافس المتزايد بين المراكز الاقتصادية، فبسبب شمولية إنتاج الجملة لبعض مواد البناء (الصُّلب والأسمنت والزجاج مثلًا)، وقوانين البناء، أصبحت الشركات المعمارية تنفق أقل على منتجها النهائي، وصرنا نرى في كل مكان النسخة ذاتها من المباني السكنية والأبراج المكتبية الشاهقة.
أمثلة للتصميم الحضري البديع في القرن الحادي والعشرين
الجانب الإيجابي أنْ بعض التصاميم العالمية البديعة، سبَحت ضد هذا التيار بتصاميم لا تساهم في رسم صورة مدينتها وحسب، وإنما بوسعها أيضًا تغيير مسار الحياة فيها – سواء كان هذا بالتجديد أم التنمية الاقتصادية –، وحل بعض مشكلاتها، وتوفير مساحات خارجية ترفيهية جديدة، وزيادة جاذبيتها من جميع النواحي.
فإليك بعض أهم التطويرات الإبداعية في المراكز الحضرية العالمية، تطويرات تضفي على بلدانها جمالًا وامتيازًا يلفت إليها الأنظار:
- ميديلين، كولومبيا
في مشاريع البنية التحتية التي أجريت مؤخرًا في مدينة ميديلين الكولومبية تتضح الطبيعة الترابُطية لسياسات التنمية الحضرية، وكيف يسعها التأثير في مظهر المدينة وجوّها؛ فبعدما عالج أليخاندرو إتشيفري (مدير المشاريع الحضرية هناك) مشكلة النقل بنظام تلفريك مبتكر يصل بين الكميونات الفقيرة، أنشأ خمس حدائق مكتبية بديعة التصميم، لأغراض تعليمية ولتوفير مساحات عامة للسكان؛ ومنها حديقة إسبانيا المكتبية، المصمَّمة لتكون مرئية من الوادي أدناها، والمكوَّنة من ثلاثة مكعبات متعددة الطوابق من البلاط الحجري الداكن الفاخر، والتي صارت رمزًا من رموز المدينة. وقد اجتمع هذا مع مشروع فن الشوارع الجرافيتي، فأكسبا المدينة طابعًا فنيًّا وثقافيًّا فريدًا.
- مطار جوهرة شانغي في سنغافورة
صحيح أن مطار جوهرة شانغي ليس في مدينة بالضبط، لكن تصميمه الفريد جعله وجهة سياحية في حد ذاته؛ فهو مستوحى من شكل الطارة، وسقفه زجاجي يتساقط من وسطه شلال عبر طوابق المطار الخمسة، وهذا يجعله أكبر شلال داخلي في العالم؛ وفيه فوق هذا حديقة مدرَّجة – كما الدفيئة – متاحة للزوار على مدار اليوم، أي إنه جامع بين عوامل الجذب المكانية والتفاعلية؛ وهو مزود ببوابات من جميع الجهات الأربعة (الشمال والجنوب والشرق والغرب) تُوجه الزوار وتوصّلهم إلى جميع أطرافه. من أجل هذا استحق أن يزوره 300,000 إنسان يوميًّا، وأن يصل عدد زواره في أول ستة أشهر من افتتاحه إلى 50 مليونًا، وأن يُعلن كونه أجمل مطار في العالم، وأن يكون من أهم الوجهات السياحية العالمية.
- سقيفة نيويورك (ذا شيد)
سقيفة نيويورك مكان لا مثيل له في العالم، وهي مقر منظمة ثقافية غير ربحية، على مساحة 18,500 متر مربع، قرب حديقة «هاي لاين؛» ولها قسمان: «مسرح جريفين» المتعدد الاستعمالات، و«مَنْوَر تيش» الذي فيه مساحة للتدرُّب والبروفات، ومختبر إبداعي للفنانين المحليين، ومكان ذو مَنور للفعاليات الخاصة بالفضاء وما شابه. والعجيب في تصميمه: هيكله المتداخل الذي يتدحرج على قضبان، ويجعله قابلًا للحركة والتوسُّع لاستيعاب مختلف الفعاليات؛ وبالإمكان بسْطه وطَوْيه في خمس دقائق، وعند الطوْي يفسح مجالًا ليصبح مساحة متاحة للعامة.
وطبعًا هذه السقيفة بجمالها وفرودها تؤكد مكانة نيويورك بوصفها مركزًا ثقافيًّا عالميًّا.
مكانة دولة الإمارات
ليست دولة الإمارات العربية المتحدة بجديدة في مجال التصميم والتطوير الحضريَّين الإبداعيين، وبخبرتها وجهدها على مر السنين حجزت مكانة ضمن أهم الوجهات السياحية العالمية.
ففي 2018 كانت دبي رابع أكثر المدن زيارات في العالم؛ ودونك برج الخليفة ومتحفر لوفر أبو ظبي ومسجد الشيخ زايد، وما أولئك إلا أمثلة قليلة للإنجازات المعمارية التي جعلتها من عواصم العرب الثقافية، ووجهة لملايين السياح سنويًّا.
لقد صارت الآفاق المستقبلية البديعة من الخصائص المتجذرة لدبي، في حين صارت أبو ظبي عاصمة ثقافية وتاريخية راسخة، وكل مدينة منهما ستواصل رعاية هويتها الفريدة بالتطويرات المعمارية المستقبلية؛ وستواصل الإمارات تأسيسها لتصاميم فريدة في جميع أنحائها، تضمن لها جمالًا فريدًا يميزها عن المراكز التجارية التكرارية المملة الآخذة في الازدياد والتشابه عالميًّا.