التحول من الوساطة الائتمانية إلى الوساطة التجارية وبدء انهيار نموذج المصارف التقليدية
معتقدات الفكر التقليدي الربوي
تسود الفائدة السلبية البنوك المركزية الأوروبية منذ الأزمة المالية العالمية الأخيرة، ويبدو أن البنك الياباني يهيء نفسه للانتقال من حيز الفائدة المقاربة للصفر إلى الفائدة السلبية، ويبدو أن الاحتياطي الفدرالي يجد نفسه في جحر الضب خلف أولئك جميعهم؛ فالفائدة السلبية صارت شبه حتمية رغم الممانعة الشديدة في الوسط النقدي الأمريكي؛ فمدرسة شيكاغو النقدية أصابت العالم بالشلل بتبنيها لسياسات نقدية طائشة لعقود طويلة؛ فكيف ستتنازل عن كل معتقداتها النقدية؟
تنظر البنوك التقليدية ومن يسير في ركبها من بعض المصرفيين الإسلاميين إلى أن أسعار الفائدة السلبية أمر رهيب. لأنها تدمر نموذج أعمال البنوك التقليدية، ولأنها ترجح قرب انهيار البنوك مستقبلا، فالبنوك لم يعد بوسعها تكوين رؤوس أموال بسبب تتالي الخسائر. وهم يعتقدون أن البنوك عامل حاسم في الاقتصاد الحديث؛ حيث لا نمو دون خدمات مصرفية تجارية.
لقد استخدمت المصارف المركزية التسهيل الكمي بمختلف أشكاله بدءًا من سياسة خفض سعر الفائدة وصولا إلى مختلف أشكال التيسير
وصل مؤشر TOPIX Banks Index الياباني إلى ذروته عند ١٥٠٠ نقطة في عام ١٩٨٩، بينما بلغ الآن ١٢٩ نقطة؛ لببلغ الانخفاض نسبة ٩١٪ خلال السنوات الثلاثين.
هم يرون أن أسعار الفائدة البالغة صفراً في المائة، وأسعار الفائدة السلبية، أمر فظيع بالنسبة للبنوك على المدى الطويل. ومسيئة للاقتصاد الحقيقي الذي يعتمد على البنوك لتوفير البنى التحتية المالية كي يعمل الاقتصاد.
الوساطة الائتمانية تتمثل بدور المصرف التقليدي بأخذ الودائع وتقديم القروض، وهذه وظيفتها الأساسية.
قد يُسمح بفشل أحد البنوك كحالة (ليمان برزر)، لكن لا يمكن السماح للنظام المصرفي بأن يفشل.
تحتاج البنوك لكسب المال بدافع تحقيق الربح، مما يجعلهم عدوانيين عند الإقراض، وعليه فقد بدأت دعوات لترشيد دورها وتحسين مفهومها لتحقيق الربح، فالتطرف أوصلها لأن تكون في الطرف الأقصى.
وفي ممارسة هذا النشاط الأساسي، ستجني البنوك أموالًا من خلال الفوارق بين أسعار الفائدة التي تفرضها على قروض عملائها وتكلفة تمويل تلك القروض. وتشير تكلفة التمويل للفائدة التي يدفعها البنك على ودائعه، وعلى السندات التي أصدرها، وما شابه ذلك.
فإذا أصبحت أسعار الفائدة سلبية، فلا ربح يُرتجى، وستزداد المخاطر لازدياد أسعار الأصول المستخدمة كضمان، وفي المدى الطويل ستتحول هذه المعادلة إلى مشكلة خطيرة؛ لأن البنوك بدأت تتهور في شراء الالتزامات المدعومة بالتزامات تعتمد الرافعة المالية؛ أي أن القروض تتضخم، وتشتري بعضها بعضا، مع زيادة منتظرة، حتى تصبح فقاعة آيلة للانفجار. (سوق مستقر)
لذلك تعتقد البنوك المركزية تماما أنها تسحق البنوك باعتمادها الفائدة السلبية، وتعتقد أن أسعار الفائدة السلبية لها تأثير مدمر أكثر عمقًا على الاقتصاد الحقيقي لأنها تشوه أو تقضي على العامل الوحيد الأكثر أهمية في اتخاذ القرارات الاقتصادية – تسعير المخاطر.
ويتم تسعير المخاطر عن طريق تكلفة رأس المال؛ فإذا تم استثمار رأس المال في مؤسسة محفوفة بالمخاطر، يطلب المستثمرون عائدًا أكبر لتعويضهم عن المخاطرة. وتكلفة رأس المال أعلى للشركة المحفوفة بالمخاطر. إذا تم استثمار رأس المال في نشاط منخفض المخاطرة، فيجب أن يكون العائد للمستثمر وتكلفة رأس المال للشركة أقل. والسوق يقرر كيف يخرج هذا. (الخراج بالضمان والغنم بالغرم ودخول عناصر الإنتاج في الخطر معا دون تمييز)
يعتقدون أنه إذا دفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر، فإن هذه الوظيفة الأساسية للاقتصاد لن تعمل؛ حيث لا يمكن تسعير المخاطر بعد الآن. مثال ذلك: يتم تداول بعض السندات غير المرغوب فيها في أوروبا حالياً بعائد سلبي؛ ما يدل على أن نظام تسعير المخاطر في أوروبا معطل ولا يعمل بشكل صحيح kaput.
عندما لا يمكن تسعير المخاطر بشكل صحيح بعد الآن، فهناك مجموعة من العواقب – جميعها سيء على المدى الطويل للاقتصاد الحقيقي. وهذا يعني:
- سوء الاستثمار واتخاذ القرارات السيئة؛
- الإفراط في الإنتاج والطاقة المفرطة.
- فقاعات الأصول التي تحمل النظام المالي بأكمله بمخاطر هائلة لأن هذه الأصول تستخدم كضمان، وقد تضخمت قيمتها بسبب العوائد السلبية.
والسؤال الأكثر تداولا في العقول المحتارة هو: كيف ستنتهي هذه الحالة؟ (الحل القرآني فلكم رؤوس أموالكم)
البعض يفكر برفع سعر الفائدة قليلا، ورغم ذلك يجدون أنفسهم يعودون للفائدة السلبية كملاذ حتمي؟