حكم جائحة كورونا فيروس
بسبب كورونا فيرس (كوفيد ١٩)، جائحة كورونا، كثر الحديث واللغط هذه الأيام عن الجائحة (الجوائح). وبالاطلاع علي ويكيبيديا الموسوعة الحرة، نجد فيها التعرف الأتي نصه “الجائحة والوباء العام هو وباء ينتشر بين البشر في مساحة كبيرة مثل قارة مثلا أو قد تتسع لتضم كافة أرجاء العالم. ويسمى الانتشار الواسع لمرض بين الحيوانات جارفة. الوباء المستوطن واسع الانتشار المستقر من حيث معرفة عدد الأفراد الذين يمرضون بسببه لا يعتبر جائحة. وعليه يستبعد من جائحة الانفلونزا النزلات الموسمية المتكررة للبرد. ظهر عبر التاريخ العديد من الجوائح مثل الجدري والسل. ويعتبر الطاعون الأسود أحد أكثر الجوائح تدميرا، إذ قتل ما يزيد عن 20 مليون شخصا في عام 1350م. ويشتهر من الجوائح الحديثة فيروس نقص المناعة المكتسبة والإنفلونزا الإسبانية وجائحة . (فيروس الانفلونزا أ، وجائحة انفلونزا الخنازير ٢٠٠٩، وكورونا فيروس – كوفيد ١٩).
وهكذا تعرض العالم للجوائح العديدة التي أبادت الملايين من البشر دون رحمة. وبالاطلاع على العديد من الدراسات، للبحث عن حكم الجوائح. ومن المتفق عليه أن الجائحة، هي كل آفة لا صنع للآدمي فيها كالريح الشديدة، والبرد القارس، والحر الشديد، والجراد ونحو ذلك من الآفات السماوية، وما حصل بفعل الآدمي لا يسمى جائحة. وفي بداية الأمر كان محل الجوائح هو البقول والثمار، ولا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها. ولكنها توسعت ليشمل محل الجوائح غير البقول والثمار، وهذا في رأي، نظرا لتوسع وزيادة اطار المعاملات التجارية.
ووفق ما ورد في موسوعة الفقه الاسلامي، حول حكم وضع الجوائح فان الجوائح لها حالتان. الحالة الأولى، إن وقعت الجائحة قبل القبض فهو من ضمان البائع. عن جابر بن عبد اللهِ رضي الله عنهما قَال، قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لو بعت من أَخيك ثمرا فأَصابته جائحة فلا يحل لك أَن تأْخذ منه شيئا بمَ تأخذ مال أَخيك بغير حق». أخرجه مسلم. وعن جابر رضي الله عنه أَن النبي (ص) أَمر بوضعِ الجوائِح. أخرجه مسلم. والحالة الثانية، إذا وقعت الجائحة بعد القبض، إذا هلك المبيع بعد القبض سواء كان ذلك بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل البائع، أو بفعل أجنبي، فإن البيع لا ينفسخ، ويكون هلاكه على ضمان المشتري، لأنه خرج من عهدة البائع بقبض المشتري له، ويرجع المشتري بالضمان على الأجنبي إن كان التلف بسببه. وإن باعها البائع مع أصلها، ثم تلفت بجائحة فهي من ضمان المشتري، والبيع نافذ، سواء كان قبل القبض أو بعده.
وفي عصرنا الحالي، نتعرض للجوائح في أشكال مختلفة. ومنها، ما يحدث في هذه الأيام بعد ظهور جائحة كورونا فيروس، هذا الفيروس غير المرئ، الذي يهدد كل أركان العالم قاصيه ودانيه. وبسبب هذا الفيروس الفجائي الذي يحصد في أرواح الناس من كل الأجناس والملل، اضطرت الدول والحكومات والمنظمات الدولية للتدخل السريع للحد من الوباء وكسر مفعوله والسيطرة عليه، حتي ينعم البشر بالأمن والأمان “… وآمنهم من خوف” وتعود الحال الي ما كانت عليه وفي أسرع وقت ممكن لتقليل الأضرار.
وبكل أسف، وبسبب جائحة كورونا ومستجداتها، تعطلت الأعمال والتجارة والحركة وغيرها، في كل القري والبوادي في كل القارات، نظرا للظروف والمستجدات التي ظهرت بعد الجائحة وبسببها المباشر، وتعرضت الشركات للافلاس والأيدي العاملة للتشريد والعطالة. وبالطبع، لهذا انعكاسات عديدة يهمنا منها الجوانب القانونية. والقوانين الوضعية والسوابق القضائية في عدة دول تضع أحكاما قانونية لمقابلة أوضاع الجوائح ومراعاتها. وهناك نظريات قانونية حديثة، منها نظرية الظروف الطارئة (فرستريشن) ونظرية القوة القاهرة (فورس ماجير). والنظريات المشار اليها، تضع أحكاما قانونية لمعالجة الوضع وفق الحالة أي اذا كان ظرفا طارئا أو ظرفا قاهرا. ووفق هذه النظريات، ينقضي الالتزام بسبب عدم الوفاء لعدة أسباب من ضمنها الأوبئة وتشمل “الجائحة”. وفي هذا منطق ثم عدل بسبب الظرف الطارئ أو الظرف القاهر. ومن الضروري أن نبين هنا، أن تطبيق حالة الظرف الطارئ أو الظرف القاهر يعود للمحاكم بعد تبين الوقائع وتمحيصها واصدار الحكم المناسب على حسب معطيات كل حالة على حدة.
ووفق أحكام القانون المدني، إذا طرأت، بعد العقد وقبل تمام تنفيذه، ظروف استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها عند إبرامه، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام الناشئ عنه وإن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، بأن يضيق من مداه أو يزيد في مقابله، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك.
وأيضا، وفق أحكام القانون المدني، ينفسخ العقد في العقود الملزمة للجانبين، إذا أصبح تنفيذ التزام أحد الطرفين مستحيلا بسبب أجنبي لا يد له فيه، انقضى هذا الالتزام، وانقضت معه الالتزامات المقابلة على الطرف الآخر، وانفسخ العقد من تلقاء نفسه. فاذا كانت الاستحالة جزئية، كان للدائن، بحسب الأحوال أن يتمسك بالعقد فيما بقي ممكن التنفيذ أو أن يطلب الفسخ. وفي العقود الملزمة لجانب واحد، إذا أصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه، انفسخ العقد من تلقاء نفسه. فإذا كانت الاستحالة جزئية، كان للدائن أن يتمسك بالعقد فيما بقي من الالتزام ممكن التنفيذ. وإذا انفسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وذلك في نفس الحدود المقررة في القانون في شأن الفسخ. وهذه النصوص القانونية واضحة تماما ولا لبس فيها، وسبق أن صدرت بشأنها أحكاما قضائية هامة.
وبسبب جائحة كورونا – كوفيد ١٩، الذي نرزح تحت جبروته القاتل الآن، ستأتي لنا المزيد من التشريعات الحديثة وكذلك الأحكام والسوابق القضائية المترعة بالأدب القانوني الرفيع الشارح للنظريات القانونية وكيفية ومدي تطبيقها على أرض الواقع وجائحة كورونا. وهذا المد التشريعي القانوني، ضروري وهام حتى تستمر الأمور وتستقر الأوضاع من جميع النواحي. ونتطلع أن يكون للمحاكم المختصة دورا هاما في ترسية حكم سيادة القانون وحفظ الحقوق والواجبات كلما دعت الحاجة تحقيقا لمبدأ “العدالة الناجزة” وحكم القانون. وقطعا، لدينا الثقة في أننا سنقضي على كورونا فيروس علميا وطبيا، وكذلك سنضع الأحكام القانونية العادلة والملائمة لتطوير مجتمعاتنا تحت مظلة العدل والأمان.