كيف سينمو اقتصاد العمل المستقل في مواجهة كوفيد-19؟
انتشر العمل عن بُعد والعمل المستقل عالميًا خلال الأعوام الماضية بفضل الاستخدام المتنامي للتقنيات النقالة والمنصات الرقمية. ويقدم الأفراد خدماتهم اليوم عبر المنصات الرقمية على أساس مخصص، ويتراوح ذلك بين اتخاذ العمل الحر مهنة أساسية، أو لكسب دخل إضافي، أو دخل رديف من دوام جزئي. ويتيح ذلك للشركات الوصول إلى مجموعات كبيرة من المواهب بجزء صغير من تكلفة توظيف موظفين في حالات كثيرة. وتعمل هذه المنصات، من أوبر إلى أب ورك، على تغيير عالم الأعمال، إذ أصبح العمل المؤقت والعمل عن بعد أكثر انتشارًا من السابق. وبحلول العام 2025، يُتوقع أن يصل اقتصاد الأعمال الحرة العالمي إلى قيمة 2.7 تريليون دولار.
بدأت الشركات في منطقة البلدان العربية اللحاق بالركب للحصول على الفرص التي يتيحها نمو اقتصاد الأعمال الحرة. وجمعت شركة صبار الناشئة للتقنية في السعودية، والتي تتيح لصناعات تجارة التجزئة والترفيه والضيافة توظيف عمال مؤقتين، تمويلًا قدره 1.5 مليون دولار في العام الماضي. وأعلنت شركة إرنست ويونج الكويتية عن إطلاق منصة إقليمية جديدة للعمال المستقلين، واسمها جيج ناو. وتوفر هذه المنصات فرصًا كبيرة في دول تعاني من أعلى معدلات البطالة بين الشباب على مستوى العالم (أكثر من 25% في 2018). وهي فرصة للنساء لتأمين عمل هادف ومواجهة حواجز العمل التي تفرضها مسؤوليات رعاية الأطفال.
الاستجابة لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)
أدت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى اتخاذ تدابير لحظر التجول، وأصبح العمل من المنزل المعيار الجديد لقسم كبير من الموظفين. واضطرت الصناعات التي لم تكن تتيح لموظفيها العمل من المنزل سابقًا إلى التكيف مع الواقع. وازدادت شعبية منصات اجتماعات الفيديو المخصصة للأعمال، ومنها منصة زوم، والذي ازداد عدد مستخدميه من 10 مليون مستخدم في ديسمبر 2019 إلى 200 مليون مستخدم هذا العام، واستخدمته الحكومة البريطانية لاستضافة اجتماعات مجلس الوزراء. ويُرجح أن يلجأ كثيرون إلى العمل الحر للحصول على دخل إضافي في ظل تزايد عدم اليقين الاقتصادي، ويقال إن وظائف 80% من العاملين في العالم تأثرت بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
اقتصاد الأعمال المستقلة وتحديات تقنية المعلومات والاتصالات
تواجه العمل عن بعد اليوم عوائق عدة، ومنها المسائل الأمنية، وتقنيات المعلومات والاتصالات المتوفرة ليست كافية لحل المشكلات التي تعيق نمو هذا القطاع، فالشركات التي تتعامل مع بيانات حساسة معرضة لتهديدات الأمن السيبراني، وتزداد هذه المشكلات عند عمل الموظفين على شبكات شخصية غير محمية. وتعرضت منصة زوم حديثًا لثغرة أمنية، استغلها مخترقون وعرضوا نحو نصف مليون حساب للبيع على شبكة الإنترنت المظلم (الدارك ويب). وسيحاول المجرمون الإلكترونيون الاستفادة من هذه الثغرات، وخاصةً بعد ازدياد عدد العاملين من المنزل، وسيتعين على الشركات الاستجابة لذلك عبر الاستثمار في بنية تحتية قوية لتقنية المعلومات.
ولا تقتصر الحاجة إلى الاستثمار في تقنية المعلومات على الشركات فحسب، بل تمتد إلى الحكومات أيضًا. وتعزز التحديات الأمنية المذكورة المشكلات الأخرى التي تواجه منطقة البلدان العربية، من الاتصالات إلى المسائل التنظيمية، ومن بينها الوصول إلى الشبكات الخاصة الافتراضية (في بي إن) وبروتوكولات الصوت عبر الإنترنت (في أوه آي بي)، والذي يمثل تحديًا كبيرًا، خاصة للشركات متعددة الجنسيات التي تحتاج إلى الاتصال مع الشركاء الأجانب. ويعد عرض النطاق الترددي لحزم الإنترنت مشكلة أخرى، وهذا لا يقتصر على منطقة البلدان العربية. وأعلنت منصة نتفلكس حديثًا أنها قيدت استهلاك حزم الإنترنت في جميع أنحاء أوروبا لمدة 30 يومًا، وطبقت ذلك أيضًا في دول كثيرة في البلدان العربية، لمواجهة الضغط الذي يواجه شبكات الاتصالات.
الفرص في منطقة البلدان العربية
استثمرت حكومات عدة في البلدان العربية في مجال التحول الرقمي، وتقود دولة الإمارات والبحرين الركب في هذا المجال. وتعمل الحكومات على بناء نظام بيئي مجهز بالبنية التحتية اللازمة لتقنية المعلومات والاتصالات عبر التركيز على التحول الرقمي لدعم الابتكارات التقنية. وهذا يعني الاستثمار في أحدث شبكات الاتصالات النقالة والشركات الناشئة. وسيساعد كل ذلك على تمكين اقتصاد الأعمال الحرة، إذ يوفر أدوات ومنصات أفضل للاتصال وتسهيل العمل عن بعد بطريقة آمنة لجميع الأطراف.
الجيل الخامس
الاستثمارات الإقليمية في شبكات الجيل الخامس جزء لا يتجزأ من هذه العملية. وستعزز التحسينات في سرعات الاتصال ومخصصات النطاق الترددي إمكانية العمل عن بعد بصورة كبيرة، إذ يستطيع الأشخاص إرسال ملفات أكبر حجمًا، ومشاركتها خلال وقت قصير جدًا. وستزيد تقنيات الجيل الخامس (5جي) شعبية تقنيات أخرى، ومنها الواقع الافتراضي والواقع المعزز، ما يحسن عمليات الاتصال والمشاركة الفورية بين الأفراد. وأُطلقت خدمة الجيل الخامس في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. ووفقًا لإحصاءات الجمعية الدولية لشبكات الهاتف النقال، ستضيف تقنيات الأجهزة النقالة وخدماتها 220 مليار دولار إلى قيمة اقتصادات منطقة البلدان العربية بحلول العام 2023.
تقنية بلوكتشين
قد تصبح تقنية البلوكتشين حلًا ضروريًا للمخاطر الأمنية التي تواجهها الشركات والمنظمات عند مشاركة البيانات عبر الإنترنت، وعلى رأسها الحكومة والمصارف. وتوفر تقنية بلوكتشين لاقتصاد الأعمال الحرة أمانًا ضروريًا لجميع الأطراف المشاركة، وتؤكد احترام الاتفاقيات التعاقدية. وتساعد تقنية بلوكتشين على حماية الحقوق الفكرية، وتضمن وضوح الاتفاقات التعاقدية، وتسهل شروط الدفع بدقة وشفافية أكبر، وذلك بتوفير سجل واضح وثابت للأنشطة. وأدرجت دول عدة في مختلف أنحاء منطقة البلدان العربية، من مصر إلى البحرين والمملكة العربية السعودية، استخدام البلوكتشين في تطبيقات متعددة، وتتفوق الإمارات العربية المتحدة عبر التزامها بإجراء 50% من المعاملات الحكومية على المستوى الفيدرالي باستخدام تقنية بلوكتشين بحلول العام 2021.
خاتمة
تؤثر خسارة الوظائف وتخفيضات الأجور اليوم على عدد أكبر من الناس في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ومن المرجح أن ينمو اقتصاد الأعمال الحرة، إذ يبحث الأفراد اليوم عن طرائق جديدة لدعم دخلهم. وتمثل البطالة في دول منطقة البلدان العربية تحديًا حكوميًا كبيرًا، وستتأثر هذه الدول أكثر من غيرها، لكن التركيز على التحول الرقمي سيتيح للحكومات إيجاد بيئة تتيح للعمال المستقلين النمو، وتوفير فرص عمل كثيرة، وتشجيع الابتكار. وسيضيف اقتصاد الأعمال الحرة مساهمات قيمة للاقتصادات الإقليمية إن استثمرت الحكومات جيدًا في البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات والتشريعات المرتبطة بها.