كيف سيغير العمل عن بعد العالم نحو الأفضل؟
كنظام عمل مميز له ثقله في سوق العمل العالمي، أثبت العمل عن بعد أنه لم يوجد إلا ليستمر، مع وصول عدد العاملين عن بعد إلى قوة لا يستهان بها أبدًا، يُتوقع أن يمتلك العمل عن بعد تأثيرًا نافذًا على عالم العمل والمجتمعات ككل، فعندما يصبح العمل والحياة أكثر اتساقًا بفضل العمل عن بعد، سيتغير مستقبل العالم إلى الأفضل في نهاية المطاف، لكن كيف سيغير العمل عن بعد العالم نحو الأفضل؟
التنمية الاقتصادية المجتمعية
في نظام العمل التقليدي، عادة ما تحظى العواصم المركزية والمدن الكبرى بنصيب الأسد من الحركة الاقتصادية، حيث تتمركز فيها مقرات عمل الشركات العملاقة التي تجذب الموظفين للإقامة والعمل فيها، وهو ما يترجم إلى حركة اقتصادية وتنمية مستمرة، لكن على النقيض، تفتقر المناطق الريفية وغيرها من المدن النائية إلى هذه المزايا الاقتصادية، رغم أنها بحاجة ماسة لها.
لكن في نظام العمل عن بعد لم يعد الأشخاص مضطرين إلى الانتقال للمدن بحثًا عن فرصة عمل، ولم يعد الموقع الجغرافي يمثل شرطًا للالتحاق بالوظائف، فمثلًا، عبر منصات التوظيف عن بعد، مثل موقع بعيد، يستطيع الموظف الالتحاق بالعمل في شركة تقع بمنطقة جغرافية بعيدة كل البعد عن مقر إقامته، وبالتالي تنتقل الفرص والوظائف إلى الناس في أماكنهم ومجتمعاتهم أيًا كانت حالتها الاقتصادية، وليس العكس.
إضافة إلى ذلك، يساهم نظام العمل عن بعد في زيادة دخل الأفراد، وإخراج مئات الآلاف وربما الملايين من الفقر خاصة في الدول والبلدان النامية، على سبيل المثال؛ سيتمكن شاب يعيش في قرية نائية من ممارسة عمله عبر الإنترنت دون أن يضطر للهجرة إلى العاصمة، كما تستطيع امرأة معيلة تقطن في إحدى الضواحي، بناء متجر إلكتروني عبر الإنترنت، ومنافسة المتاجر التقليدية الكبرى، أما رائد الأعمال الذي بدأ شركته في إحدى دول العالم الثالث، سيتمكن من التوسع والوصول لأسواق أوروبا، وهو لم يغادر بلده ولا حتى مدينته.
كما صاحب ظهور الثورة الصناعية الأولى نمو المدن الكبرى اقتصاديًا وتنمويًا، ستساعد الثورة التقنية الحالية القائمة على الرقمنة، التي يتحول معها الاقتصاد شيئًا فشيئًا من الاقتصاد المادي إلى الاقتصاد الرقمي، على إيصال التأثيرات الاقتصادية الإيجابية إلى بقاع أكثر اتساعًا وشمولية من المدن الكبرى والعواصم.
تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص
في نظام العمل عن بعد لا يُقاس أداء الموظف بالأدوات المستخدمة في نظام العمل التقليدي، مثل مواعيد الحضور والانصراف، إنما يتم عبر تتبع النتائج التي يحققها، كما أن المديرين لا يكترثون البتة بمكان نشأة أو إقامة الموظف، مما يقلص تأثير عوامل التمييز التقليدية، مثل العِرق والعمر والجنس والحالة الاجتماعية في عملية التوظيف.
من ناحية أخرى، يتيح العمل عن بُعد للفئات الأقل حظًا في فرص التوظيف مثل: ذوي الهمم، والنساء، التي لا تسمح لهن ظروفهن الأسرية بالعمل خارج المنزل، من الحصول على وظائف عن بعد، وتنمية مسارهم المهني كغيرهم، على صعيد آخر، أدى ظهور العمل عبر الإنترنت بأشكاله المختلفة، بما فيها العمل من المنزل، إلى تقليل دور الشهادات الجامعية في الحصول على الوظائف.
مثلًا، العمل مصممًا للجرافيك أو مسوقًا إلكترونيًا على مواقع العمل الحر مثل: مستقل وخمسات لا يستدعي الحصول على شهادة جامعية متخصصة، إنما يتطلب مواكبة التطورات الجديدة في كل مجال، وهو ما لا تستطيع المناهج الجامعية التقليدية القيام به، فإذا كان التعليم الجامعي لا يتاح للجميع بالقدْر نفسه من السهولة، سوف يساعد تصاعد العمل عن بعد الأفراد على صنع مسارهم التعليمي الخاص عبر التعلّم الذاتي، الذي أصبحًا متاح للجميع بلا استثناء.
فتح أسواق عمل جديدة وفرص وظيفية أكثر
في ظل التوقعات التي تشير إلى اختفاء ملايين الوظائف في المستقبل القريب بسبب تطور الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة، سيساهم العمل عن بعد في فتح أسواق عمل جديدة وتوفير فرص وظيفية جمّة، لتلبية احتياجات المشاريع والشركات الجديدة الصاعدة التي تعتمد على نظام التوظيف والعمل عن بعد.
على سبيل المثال لا الحصر، سوف يشهد سوق التقنية، وخاصة أسواق برمجيات إدارة المشاريع وإدارة التواصل والعمل عن بعد، وحتى سوق الخدمات والحلول المصرفية المرنة، نموًا ضخمًا في عدد الوظائف، ذلك بسبب ارتفاع الطلب على هذه الأسواق؛ نتيجة هيمنة العمل عن بعد على نظام العمل، مما سيؤدي إلى ظهور اتجاهات عمل جديدة ونمو أسواق توظيف ناشئة وفرص عمل أكثر بالتبعية.
الحفاظ على البيئة
إضافة إلى الخطوات التي تتخذها الكثير من الشركات للحفاظ على البيئة مثل تقليل استخدام المواد البلاستيكية، يمكنها الحفاظ على البيئة بشكل لا يمكن تصوّره عبر اتخاذ خطوة واحدة صغيرة هي تبني نظام العمل عن بعد. يقوم العمل عن بعد بتغييرات صغيرة في شكل الحياة، لكنها لها عظيم الأثر في الحفاظ على البيئة.
تخيل أن شركات ضخمة تُدار بشكل تام بدون تنقل الموظفين يوميًا من منازلهم إلى مقرات العمل والتسبب في زحام مروري وانبعاثات كربونية لا حد لها، أو أن العمل يتم افتراضيًا بدون تشييد مبانٍ جديدة مليئة بالمكاتب تقلّص من المساحات الخضراء، وتستهلك الكثير من الطاقة للإضاءة والتكييف والتدفئة وغيرها، كذلك، سيقضي الموظف وقتًا أطول في المنزل، وبالتبعية سيستخدام كميات أقل من الورق والبلاستيك والأطعمة السريعة، وحتى الوقود والكهرباء.
تعزيز دور الفرد في المجتمع
يساعد العمل من المنزل الموظف على تحقيق التوازن بين مسؤوليات عمله وحياته الشخصية، فيتمكن من ممارسة هواياته بحرية أكبر، مع رعاية أفراد أسرته وقضاء وقت أطول مع العائلة، مما ينعكس على جودة حياته ككل، ويشجعه على المضي قدما في تحقيق أهدافه الحياتية، والمساهمة في القضايا المجتمعية؛ لترك بصمة إيجابية في قضايا محيطه المحلي.
إذ يقدم العمل عن بعد للموظف فوائد عدة بعيدًا عن المزايا الرئيسية التي تبدأ بالحرية والمرونة، ولا تنتهي عند تعزيز الإنتاجية وقلة التشتت، مثل تحسين صحته النفسية والجسدية عبر تبني نمط حياة صحي يمزج بين الطعام الصحي وممارسة الرياضة، ومساعدته على تقوية الروابط الأسرية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق السعادة والرضا الوظيفي.