بعض المستجدات القانونية وجائحة كورونا
بسبب جائحة كورونافيروس، طرأت ظروف خاصة وظهرت أمور جديدة، قد تغير واقع العمل والتعامل في الدنيا. من الناحية العلمية، ثبت أن من أهم وسائل كبح جماح هذا الوباء الخطير، الابتعاد عن الآخرين وعدم لمسهم أو الاحتكاك بهم لكسر دائرة امتداد نقل الفيروس. وهذا الكسر أو منع امتداد الدائرة سيعمل على عدم انتقال العدوى وحصرها في أضيق نطاق حتي يتم اكتشاف العلاج القاتل للفيروس القاتل.
ولهذا، أمرت السلطات في كل دول العالم بقفل المدارس والجامعات والعديد من مرافق العمل والتجمعات الاجتماعية وحتى الدينية، وتم رفع شعار “أبقي بالبيت” لتحمي نفسك وأسرتك ومجتمعك. وهذه التوجهات والتعليمات الهامة أثمرت لدرجة كبيرة، وأصبح الكل متحفز ومتيقظ للقيام بدوره لحماية نفسه ومجتمعه. وتوقفت الطائرات والحركة بين الدول والقارات والكل في مكانه، ولم يعد العالم تلك القرية الصغيرة الجميلة الباسمة. وبالطبع، هذا الوضع الطارئ الاضطراري الجديد ستتولد من رحمه مستجدات في العديد من الحالات وخاصة مستجدات واقع العمل الجديد، الذي يتجه نحو العمل عن بعد (ريموت سيرفسيس) والعمل من البيت أو من التلفون الذكي أو جهاز اللابتوب من أي ركن قصي.
ولكن هل هناك ما يسند هذا النوع من العمل ويجعله يأخذ الطابع الرسمي والقانوني؟ في واقع الأمر نقول، ان الأرضية القانونية والتشريعية للريموت سبرفسيس أو أي – سيرفيس متوفرة وموجودة وأيضا فهي كافية لتوفير الوضع والصبغة القانونية المطلوبة. والآن في معظم الدول، هناك قوانين المعاملات الإلكترونية، التي أتت بنظرية “التعامل المثلى” بين المعاملات المباشرة والمعاملات الإلكترونية وذلك وفق “قانون الأونسيترال النموذجي” بشأن التجارة الإلكترونية الصادر من لجنة الأمم المتحدة، وهناك قوانين جرائم السايبر الإلكترونية لحماية الجميع في الأثير ولمعاقبة المجرم الإلكتروني، وهناك قوانين الحكومة الإلكترونية والأنظمة القانونية المرتبطة بها، والتي وصلت حتى مرحلة الذكاء الاصطناعي “آرتيفيشيال انتلجنس” المتطورة.
ووفق هذه القوانين الحديثة المستحدثة، نتعامل مع البنوك يوميا لتنفيذ العمليات المصرفية، ونعقد المؤتمرات ونقدم الدروس والمحاضرات عن بعد، ونشتري من العالم ونبيع له عن بعد عبر وسائل التجارة الإلكترونية والكردت كارد دون أن نعرف بعضنا، ونرسل طائرات “الدرون” بدون سائق لتنقل لنا البضائع والرسائل و”الهوم دليفيري”، وتتم بعض إجراءات التقاضي والتحكيم عن بعد، اضافة لكل هذا هناك ميزة التعامل مع الكثير من الجهات الحكومية عن بعد ودون الحاجة للذهاب لها بشخصك أو الوقوف في الطوابير أو الجلوس أمام الموظف. كل هذا يحدث في قاطبة دول العالم ومنذ مدة من الزمن. وكل هذا يتم، وفي هدوء تام واطمئنان مطمئن، بفضل الأرضية التشريعية التي توفر الأطر القانونية للتعامل والمعاملات. وأيضا، مع مرور الزمن واكتساب التجارب المتكررة، فقد توفرت الإمكانيات الفنية والمهنية والدراية التقنية الحديثة، مما ساعد كثيرا في توفير الوقت والجهد بسبب تقنية العمل عن بعد عبر تقنيات أل اي – سيرفس. ومن دون شك، فان ما يعرف بنظام “الحكومة الإلكترونية” الذي تم إنشاؤه وتقنينه في كل العالم، لعب دورا كبيرا في تسهيل التعامل عن بعد مع كل الجهات الحكومية وغيرها من المؤسسات المتعددة. وأنظمة الحكومة الإلكترونية، وللحق نقول، ما زالت تقود هذا الزخم بتقنية عالية وكفاءة نادرة تسابق الزمن لتغطي كل المجالات في كافة القطاعات على مدار الساعة وفي كل أركان العالم.
ومن واقع ما يعانيه العالم الآن بسبب جائحة الكورونا، فاننا ننصح الجميع للاستعداد التام للتعامل العلمي والمهني والمؤسسي مع المستجدات الطارئة أو التي قد تطرأ، وخاصة في مجال العمل والأعمال. وعلى كل فرد أو شركة أو أي كيان، أن يسأل نفسه هل هو مستعد للعمل بعيدا من المكتب والقيام بالعمل من البيت ؟ وهل تم وضع الضوابط لتسيير الأعمال عن بعد والتشبيك مع الآخرين، وهل تم التدريب الكافي للقيام بالأعمال من بعد وماهي الإجراءات الاحترازية لكافة الظروف؟ ان هذا الأمر أصبح في غاية الأهمية لتحقيق الاستمرارية والبقاء لك ولعملك، وإلا فالخسران المبين والنهاية النهائية. علينا الاستفادة لأقصى درجة من الثورة التقنية، خاصة وأن القانون يقنن ويحمي المعاملات الإلكترونية التقنية والعمل بعيدا من الآخرين. والعالم لن يعود كما كان قبل كورونا، ولكن علينا امتصاص الصدمة والتطور وفق المستجدات المستجدة لنصنع التاريخ ونكون جزءا منه، ولتستمر أعمالنا وتبقي شامخة لمصلحتنا ومصلحة مجتمعنا، بل العالم ليعود قريتنا الصغيرة.