ما الذي يميز تقنية الحبر الإلكتروني المستخدمة في أجهزة كيندل؟
قد تلعب ملايين الكبسولات الدقيقة دوراً هاماً في عملية نقل المعرفة في المستقبل
مصدر الصورة: أنسبلاش
ربما يبدو جهاز كيندل للوهلة الأولى أشبه بأجهزة التابلت والأيباد المنتشرة في الأسواق، لكن تقنية الحبر الإلكتروني التي يعتمد عليها هذا الجهاز المخصص للقراءة مثيرة للدهشة؛ إذ إنها تجمع علوم الكيمياء والفيزياء والإلكترونيات معاً.
تفتقر الهواتف والأجهزة اللوحية إلى القدرة على استخدامها في القراءة لفترات طويلة، بسبب سرعة نفاذ الطاقة منها وتألق صفحاتها البيضاء المُجهِد للعين، كما أن الكلمات تكاد لا تُرى تحت أشعة الشمس القوية. ومن ثم فإن تقنية الحبر الإلكتروني المستخدمة في أجهزة كيندل -التي تنتجها شركة أمازون الأميركية- جلبت حلًا ثورياً يمكنه توفير الطاقة لفترات طويلة للغاية، ودون أضرار صحية تقريباً، ويمكن قراءته بوضوح مهما اختلفت الإضاءة؛ إذ إن الغالبية الساحقة من شاشات الحبر الإلكتروني -على عكس الشاشات التقليدية التي تعمل باستخدام الإضاءة الداخلية- تعكس الضوء المحيط بها، تماماً مثل الورق الحقيقي.
تاريخ طويل
على الرغم من أن الاستخدام التجاري الواسع للحبر الإلكتروني لم يبدأ سوى عام 2007، إلا أن أولى بوادر هذه التكنولوجيا ظهرت قبل 46 عاماً، وتحديداً في مركز أبحاث زيروكس في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا الأميركية بواسطة نيكولاس شيريدون، الذي اخترع ما يعرف باسم “الجريكون Gyricon” وهي أول ورقة إلكترونية تحمل العديد من سمات الورق الحقيقي، مثل المرونة وزاوية الرؤية الواسعة، إلا أنها تميزت بإمكانية محوها وإعادة الكتابة عليها آلاف المرات. هذه التقنية التي توقفت بسبب مصاعب علمية وعدم القدرة على تسويقها تجارياً تعد الأساسَ الذي تستند إليه تكنولوجيا الحبر الإلكتروني اليوم.
جاء الدور بعد ذلك على كل من جوناثان ألبرت وباريت كوميسكي، اللذَيْن كانا يدرسان الهندسة الميكانيكية، واللذَيْن عملا أثناء الدراسة في مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا برفقة البروفسور جوزيف جاكوبسون. كان هدف الفريق هو تطوير تصور جاكوبسون لكتاب إلكتروني بلا ضوء داخلي، يمكن تغيير محتواه بضغطة زر واحدة، ومن دون الكثير من الطاقة. وفي عام 1997 توصّل الثلاثة إلى نموذج أولي لـ “العرض الإلكتروني للحبر الكهربائي”، وهي تقنية تحاكي ظهور الكلمة المطبوعة على الورق.
وفي مقابلة أجراها كوميسكي عام 2016 مع موقع شركة Visionect، يتذكر لحظة ولادة الحبر الإلكتروني قائلاً: “في وقت مبكر من صباح أحد أيام يناير 1997، أخذنا كبسولة صغيرة، ووضعناها على شريحة بين قطعتين من النحاس تحت المجهر، ولأول مرة تمكنا من رؤية جسيم يتحرك ذهاباً وإياباً”.
وفي وقت لاحق من نفس العام، أنشأ العلماء الثلاثة شركة “إي إنك E Ink”، التي واصلت تطوير هذه التكنولوجيا على مدار العقدين الماضيين حتى اليوم.
كيف يعمل الحبر الإلكتروني؟
تعتمد تقنية الحبر الإلكتروني على استخدام شبكة تضم ملايين الكبسولات الدقيقة، التي يبلغ قطرها أقل من قطر شعرة الإنسان، وتحتوي كل منها على سائل صاف وآلاف الكبسولات الفرعية أو الجسيمات إما باللون الأبيض أو الأسود؛ حيث تحمل الجسيمات البيضاء شحنة مغناطيسية سالبة وتحمل الجسيمات السوداء شحنة موجبة، ويسمح السائل لهذه الجسيمات أن تطفو بحرية في الداخل.
ولكي تتشكل الكلمات، تبعث آلاف الأقطاب الكهربائية الموجودة أسفل الشاشة مباشرة شحنات سالبة وموجبة. عندما تنبعث شحنة سالبة فإنها تجذب الكبسولات الفرعية (الجسيمات) السوداء الموجبة الشحنة ناحيتها، وتدفع الكبسولات البيضاء المتنافرة معها إلى الأسفل، والعكس، ومن هنا تتحول الجسيمات السوداء إلى نقاط على الشاشة لتعلب دور الحبر، بينما تلعب الجسيمات البيضاء دور الورقة، فتصبح الكلمات مرئية للمشاهد.
تغلف كبسولات الحبر الإلكتروني بغشاء رقيق من البلاستيك مثبت على طبقة من الدوائر الكهربائية، التي يمكنها إنشاء حقل كهربائي يتحكم في تبديل أماكن الجسيمات وشكل الحروف والكلمات. ويمكن لهذا الغشاء أن يستخدم على أي سطح تقريباً، بما في ذلك الزجاج والبلاستيك والورق، مما يشير إلى أن الحبر الإلكتروني يمكنه -مستقبلاً- تحويل أي سطح لشاشة عرض، دون التقيد بحدود الأجهزة التقليدية.
وبمجرد تشغيل كبسولات الحبر الإلكتروني لبدء عرض الصفحة، يمكنها البقاء على هذا الوضع إلى أجل غير مسمى دون استهلاك طاقة إضافية، مما يجعل بطاريات بعض أجهزة كيندل قادرة على العمل لشهرين متواصلين، دون الحاجة لشحنها.
أحبار ملونة
بدأت تظهر مؤخراً بعض الأحبار الإلكترونية ثلاثية اللون، التي تضيف اللون الأحمر إلى الأبيض والأسود، مثل الحبر سبكترا Spectra، كما أعلنت شركة (إي إنك) أنها أنتجت نظام حبر متعدد الأصباغ (multi-pigment ink system) مع الاحتفاظ بكامل قدرات القراءة التي يتمتع بها الورق الحقيقي، بما في ذلك العمل في مختلف ظروف الإضاءة، لكنها أوضحت أنه غير متاح تجارياً بعد.
وتعتمد تقنيات الحبر الملون على نفس الأسلوب ثنائي اللون المستخدم حالياً، ولكن بدلاً من استخدم الأبيض والأسود فقط، تُستخدم جزيئات ذات ألوان مختلفة يتم دمجها لإنشاء صورة ملونة بالكامل. وخلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية CES 2020 -الذي عقد في شهر يناير الماضي بمدينة لاس فيجاس في الولايات المتحدة الأميركية- قدرت (إي أنك) أنه يمكن الوصول إلى حوالي 40 ألف لون من خلال مزج هذه الأصباغ، مضيفة أنها تمكنت من تحسين التكنولوجيا المطلوبة لهذا الأمر بحيث يمكن استكمال رسم الصفحة في غضون ثانيتين فقط، وهي فترة مناسبة لبدء استخدامها في أجهزة كيندل القادمة.
أخيراً، يرى البعض أن اختراع الحبر الإلكتروني أحدثَ ثورة علمية حقيقية، قد تقترب من الثورة التي أحدثها اختراع المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر؛ إذ يعد بأن تحمل رقاقة إلكترونية صغيرة رخيصة الثمن ما لا تستطيع أرفف مكتبة كاملة أن تحمله. ومع ذلك فإن هذه التقنية لم تُبِح بعد بكل الإمكانات والتطبيقات التي ربما ستجعلها حلقة وصل بين الورق والشاشات الإلكترونية.