كيف يستخدم الذكاء الاصطناعي في تعليم الأطفال؟
ربما لن تُدرس الروبوتات للطلاب في المدارس قريباً، لكن التقدم الذي يحرزه الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية يتسارع.
هل سيُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في كفاءة العملية التعليمية أم سيشكل خطورة على تعليم الأطفال؟ وهل يمكن فعلاً تحديد معايير مشاركة البيانات وضمان الخصوصية والشفافية في استخدامها؟ تثير هذه الأسئلة دوماً الجدلَ حول الدور الذي ستلعبه أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال تعليم الأطفال، لكن الحقيقة الثابتة هي أن برامج الذكاء الاصطناعي تتحول ببطء إلى ركن أساسي في كل تصوراتنا عن مستقبل التعليم.
مساعدة مبكرة
تتنوع البرامج الذكية الموجهة للأطفال باختلاف مستويات التعليم؛ حيث يركز معظمها على بدايات مراحل التعليم الأساسي أو مرحلة ما قبل التعليم الجامعي. ومع ذلك، فإن هناك العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي المخصصة للأطفال في المراحل المبكرة من حياتهم، من ضمنها أداة Kidsense. وهذه الأداة المخصصة للتعرّف على اللغة المنطوقة وترجمتها إلى نص -باستخدام تقنية التعرّف التلقائي على الكلام (ASR)- تهدف إلى المساعدة في تدوين الملاحظات أو التدريب على استخدام المفردات أو إجراء الاختبارات، كما تحدد أيضاً مواضع النطق الخاطئ لدى الأطفال.
وتستخدم الأداة -التي طورتها الشركة التي تحمل نفس الاسم- محركاً مخصصاً للتعرف على الكلام، يعتمد على علم الأعصاب، ومبنياً على دمج عدد من النماذج اللغوية والسمعية، ولديه قدرة على فهم اللغة الطبيعية. ونظراً لصعوبة فهم حديث الأطفال، تستخدم الشركة خوارزميات مخصصة للترجمة الدقيقة.
تحسين عملية التقييم
تظهر الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في جانب تعليمي آخر، ألا وهو عملية تقييم الطلاب. وفي ورقة بحثية نشرتها في دورية نيتشر عام 2017، تشير روز لوكن، الأستاذة المتخصصة في أبحاث الذكاء الاصطناعي والتعلم في كلية لندن الجامعية، إلى أنه يعد أداة قوية لفتح “الصندوق الأسود للتعلم”، فهو يقدم فهماً عميقاً لمتى وكيف يحدث التعلم بالفعل.
وتوضح لوكن أن أنظمة التقييم المعتمدة على الذكاء الاصطناعي -مثل برنامج AIAssess الذي صمّمه باحثون في معمل المعرفة بكلية لندن الجامعية والمُخصص لطلاب العلوم والرياضيات- تستخدم المعلومات المتعلقة بالأنشطة الدراسية لكل طالب، والخطوات التي يتخذها الطالب أثناء ممارستها، والنتائج التي يمكن اعتبارها نجاحاً في هذه الأنشطة. وباستخدام تقنيات مثل النمذجة الحاسوبية والتعلم الآلي على هذه المعلومات، يمكن تقييم تقدُّم كل طالب على مدار فترة زمنية طويلة قد تمتد إلى شهور أو حتى سنوات، وهو تقييم أكثر واقعية بكثير من التقييم المعتمد فقط على امتحان يستمر لمدة 90 دقيقة، كما أنه قادر على قياس ما وراء المستوى المعرفي لدى الطالب؛ إذ يقيس أيضاً مهارات مثل التعاون والمثابرة ومقدار الثقة بالنفس.
التغلب على صعوبات التعلم
أحد المجالات الأخرى التي قد يلعب فيها الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً، هو دمج الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم، مثل عسر القراءة أو الكتابة واضطرابات فرط الحركة. فمع زيادة صعوبة المواد الدراسية وتقدم المستوى بمرور الوقت، تتضح الفروقات بين الطلاب، فيضطر المعلمون إما إلى التباطؤ من أجل الأطفال ذوي القدرات الأضعف أو الاستمرار بوتيرة تناسب غالبية الطلاب، بغض النظر عن اختلافاتهم.
هنا تتدخل برامج الذكاء الاصطناعي لملء هذه الفجوة، حيث يمكنها تحديد البرامج المناسبة للطلاب بشكل فردي، واختيار السرعة المثالية لكل طالب.
وإحدى التجارب السبّاقة في هذا المجال هو “كاشف صعوبات التعلم القائم على التصور الحسي (PLEDDOR)”، وهو شبكة عصبية اصطناعية (ANN) طورتها عالمة الأحياء التطورية كافيتا جاين عام 2009، وهي قادرة على تحديد الصعوبات في القراءة والكتابة والرياضيات (عسر الحساب)، باستخدام اختبار يضم 11 وحدة تناظر أقسام مختلفة من الاختبار التقليدي، وتمت تجربة هذا النظام على 240 طفلاً في الهند، وأظهر نتائج مبشرة.
وفي الوقت الحالي، تعمل أنظمة مثل “دراجون“، الذي طورته شركة ناونس كوميونيكشنز الأميركية على مساعدة الطلاب الذين يعانون من مشاكل في التعلم نتيجة صعوبة الحركة أو حتى أولئك المصابين بإعاقات مثل الشلل الدماغي، على تحسين أساليب تعليمهم؛ فالنظام قادر على التعرف على الصوت أثناء الإملاء وتحويل الكلام إلى نص مكتوب، والتعرف على الأوامر الموجهة له، بالإضافة إلى تحويل النص المكتوب إلى كلام منطوق باللغة الطبيعية.
تجربة عربية
إحدى الشركات الرائدة في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، في المنطقة العربية، هي شركة “ألف للتعليم”، التي يقع مقرها الرئيسي في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة.
وتعمل الشركة على تعزيز مفاهيم الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم؛ حيث أطلقت ما تُشير إليه باسم “المدرسة المصغّرة” التي تحاكي مدارس المستقبل، مع تزويدها بمنصة تعليمية تركز على المهارات التي تزيد من كفاءة الطلاب ومستواهم التعليمي، مشيرة إلى أن حوالي 50 ألف طالب في 151 مدرسة بأبوظبي، و3 مدارس بالولايات المتحدة الأميركية يستفيدون حالياً من منصتها.
وتوضح الشركة أنها تقدم المحتوى من خلال نظام Bite-Size لتعزيز أهداف التعلم، الذي يشجع الطلاب على تصميم خطط التعلم الخاصة بهم، مشيرة إلى أن نظام “الوقت الحقيقي” الذي تستخدمه يسمح للمدرسين بتحديد نقاط الضعف عند الطلاب والتدخل لمساعدتهم في الوقت المناسب، كما أن برامج الذكاء الاصطناعي المستخدمة تتكيف مع مستوى التعلم عند كل طالب.
وكانت الشركة قد أبرمت، في شهر نوفمبر الماضي، شراكة إستراتيجية مع خدمة جوجل للتعليم، تتضمن “تطوير منتجات تعليمية تكنولوجية تعزز من تجربة التعليم للطلاب والمدرسين إقليمياً وعالمياً”. كما وقعت مذكرة تفاهم مع شركة مايكروسوفت في سبتمبر الماضي، تتضمن دمج منصة ألف للتعليم مع كلٍ من منصة Teams وأوفيس 365، بالإضافة إلى العمل على أبحاث مشتركة في مجالات معالجة اللغة الطبيعية وتحليل البيانات.
وقال جيفري ألفونسو، الرئيس التنفيذي للشركة، في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات، إن الشركة تسعى إلى “إنشاء نظام تكنولوجي رائد يلبي احتياجات نظام التعليم، إلا أنه -وبحكم التطور المتسارع عالمياً في مجال التكنولوجيا- ارتقى هذا المفهوم ليتوسع ويمتد لبناء نظام تعليمي يستند إلى التكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي، واستهداف بناء اقتصاد قائم على المعرفة”.
مع الارتفاع المستمر في معايير التعليم والحاجة المتزايدة إلى أدوات تفاعلية، ومع اشتداد المنافسة بين الشركات العاملة في هذا المجال، يمكننا القول إن الذكاء الاصطناعي سيصبح قريباً أداة لا غنى عنها في قطاع التعليم بشكل عام، وتعليم الأطفال بشكل خاص.