الوفاء عبر المقاصة
يتضمن القانون المدني، في دول الخليج عموما، أحكاما هامة لتنظيم وتقنين المعاملات المدنية. ومن أهم هذه الأحكام تلك المتعلقة بانقضاء الالتزامات الخاصة بالعقود وغيرها من الالتزامات القانونية. قانونا، ينقضي الالتزام بالوفاء التام به والكامل وفق الاتفاق أو ينقضي بما يعادل الوفاء. والانقضاء بما يعادل الوفاء، يحدث في عدة حالات منها الوفاء بمقابل، أو التجديد، أو الإنابة في الوفاء، أو اتحاد الذمة، أو المقاصة. ولكل من هذه الحالات شروطها ومتطلباتها وإجراءاتها. وللأهمية، سنتناول هنا كيفية انقضاء الوفاء بالمقاصة لكثرة اللجوء اليه. وللمدين حق المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه، وما هو مستحق له قبل هذا الدائن ولو اختلف سبب الدينين. هذا الحق حتى إذا كان موضوع كل منهما نقودًا أو مثليات متحدة في النوع والجودة، وكان كل منهما خاليًا من النزاع مستحق الأداء صالحا للمطالبة به أمام القضاء.
ولا يمنع اتمام المقاصة أن يكون ميعاد الوفاء قد تأجل بناء على نظرة منحها القاضي أو تبرع بها الدائن بنفسه. وتجوز المقاصة ولو اختلف مكان الوفاء في الدينين، وفي هذه الحالة يجب على من يتمسك بالمقاصة أن يعوض الطرف الآخر عما لحقه من ضرر لعدم تمكنه بسبب المقاصة من استيفاء حقه أو الوفاء بدينه في المكان الذي عين لذلك.
ويجوز أن تقع المقاصة في الديون أيا كان مصدرها وذلك فيما عدا بعض الأحوال ونذكر منها، إذا كان محل أحد الالتزامين رد شيء نزع دون حق من يد مالكه، أو إذا كان أحد الالتزامين رد شئ مودع أم معار، أو إذا كان أحد الدينين حقا غير قابل للحجز، أو إذا كان أحد الدينين مستحقا للنفقة. وهذا يعني أن وفاء الديون بالمقاصة لا يتم في جميع الحالات وأن هناك بعض الاستثناءات التي يجب مراعاتها.
ومن الأحكام الهامة، أن المقاصة لا تقع إلا إذا تمسك بها من له مصلحة فيها ولا يجوز النزول عنها قبل ثبوت الحق فيها. ويترتب على المقاصة انقضاء الدينين بقدر الأقل منهما منذ الوقت الذي يصبحان فيه صالحين للمقاصة. وإذا تعددت ديون المدين فيكون تعيين التقاص فيها كالتعيين عند الوفاء بها. إذا كان الدين لا تسمع به الدعوى لمرور الزمان وقت التمسك بالمقاصة فإن ذلك لا يمنع من وقوع المقاصة ما دامت المدة اللازمة لعدم سماع الدعوى لم تكن قد تمت في الوقت الذي أصبحت فيه المقاصة ممكنة. ولا يجوز أن تقع المقاصة إضرارًا بحقوق الغير. فإذا أوقع الغير حجزًا تحت يد المدين، ثم أصبح المدين دائنًا لدائنه بدين صالح للتقاص فلا يجوز له أن يتمسك بالمقاصة إضرارًا بالحاجز.
وإذا حول الدائن حقه للغير وقبل المدين الحوالة دون تحفظ فلا يجوز لهذا المدين أن يتمسك قبل المحال له بالمقاصة التي كان له أن يتمسك بها قبل قبوله للحوالة، ولا يكون له إلا الرجوع بحقه على المحيل بعد اعلان الحوالة. وإذا وفى المدين دينا وكان له أن يطلب المقاصة فيه بحق له، امتنع عليه التمسك بالتأمينات التي تكفل حقه، أضرارا بالغبر، الا إذا كان يجهل وجود الحق.
استعمال المقاصة أمر شائع بين الشركات وحتى الأفراد، وهذا مستمر منذ مدة طويلة. ولكن لفت نظرنا، ان العديد من الأطراف يلجأون للمقاصة قبل أو دون التأكد من الأحكام القانونية الخاصة بها. وإذا حدث هذا، قد ينقلب الأمر ويواجه الأطراف منازعات طويلة هم في غنى عنها. ومن المستحسن الإلمام بهذه الأحكام القانونية وفهمها جيدا لتعم القائدة ويستفيد الجميع من المقاصة كمخرج قانوني ومحاسبي مقبول للوفاء بالالتزام والتحلل من شبح الديون. والوفاء بالالتزامات بأي طريقة كانت، تدعم المعاملات التجارية وتوثق الثقة بين المتعاملين.