برامج التقنية وحقوق الملكية
من أبسط صور التعامل مع برامج التقنية وتداولها، أن يقوم من يرغب في استعمال أي برنامج بشراء نسخة من محلات بيع برامج الكمبيوتر وأدوات التقنية. وهذا العمل، ربما يبدو”عقد بيع بضاعة” عادي، ولكنه في واقع الأمر ليس كذلك. نظرا لأن هذه البرامج تباع ومعها شروط الترخيص بكيفية استعمالها. ومن هذا، فان المشتري على الرغم من أنه اشتري شريط البرنامج الا انه أيضا يلتزم باستعمال البرنامج وفقا للشروط المدونة عليه. والا، لا فائدة من البرنامج. وكذلك من صور التعامل مع برامج الكمبيوتر، نلاحظ أن بعضها يكون في صورة “حزم برمجية” تكون جاهزة للاستعمال أو تحتاج الي تعديل بسيط حسب الاحتياجات. وهذا النوع من البرامج يتم التعامل معه وفق “عقود ترخيص”، وتقوم الجهة المنتجة بصياغة هذه العقود بما يتناسب مع طبيعة كل برنامج أو حزمة البرامج وبما يضمن حقوق الجهة المنتجة.
ومن صور التعامل والتداول مع البرامج، نجد أيضا تلك المتعلقة بالبرامج “الخاصة” والتي يتم تصميمها وتطويرها وانتاجها بناء على طلب العميل. وهي تسمي “بيسبوك سوفتوير” أو “كاستم سوفتوير”. وهذا النوع من البرامج الخاصة يثير عدة نقاط قانونية فنية، من أهمها مسألة الملكية “أونرشيب” أي من هو المالك ولمن تتبع “ملكية البرامج”؟ . من الناحية القانونية، فان العقد الذي يقوم بمقتضاه شخص أو جهة معينة بتصميم وتطوير وإنتاج برنامج كمبيوتر لجهة أخري فانه يعتبر من “عقود المقاولة”. وعليه، إذا انطوت عملية التصميم والإنتاج على جهد ذهني فكري ابتكاري فان صفة “المؤلف” سوف تكون للجهة المصممة والمنتجة، ولذا فانها ستتمتع بالحماية التي يقررها ويوفرها القانون. والعلاقة التي تربط مصمم البرنامج بالعميل هنا تماثل علاقة الفنان الذي يقوم بتصميم لوحة فنية وتنفيذها لحساب أحد العملاء. وقد استقر القضاء على اعتبار العقود في مثل هذه الحالات من قبيل “عقود المقاولة” وبالتالي رفض اعتبار التعاقد من قيبل التنازل عن العمل الي العميل. أما إذا لم تنطو عملية التصميم والإنتاج على جهد ذهني فكري ابتكاري فان حقوق الملكية المعنوية لن تكون للجهة المطورة والمصممة. ومع ذلك فمن المهم جدا في هذا الصدد الاتفاق بين المتعاقدين حول ملكية البرامج التي يتفق على تطويرها وانتاجها. ولا تخفي الآثار القانونية المترتبة على هذا التحديد، اذ يتمتع الطرف الذي يحتفظ بحق الملكية بالحقوق التي يمنحها القانون للمؤلف. ومفاد هذا أن الطرف الآخر ممنوع عليه القيام بأي من الأعمال المقصورة على “المؤلف” صاحب الحق بغير ترخيص منه. وما لم ينص على ذلك فان حقوق الملكية سوف تكون للجهة التي قامت بعملية التطوير. فإذا احتفظ المطور أو المنتج بحقوق الملكية وجب النص على شروط الترخيص باستعمال البرنامج من قبل العميل، وفي حالة ما إذا كان مضمون العقد تطوير برنامج لصالح الطرف طالب الخدمة (رب العمل) بحيث يكون البرنامج المنتج مملوكا ملكية خالصة له فيجب النص على ذلك بكل وضوح. وهنا أيضا تبدو ضرورة النص عما إذا كان الطرف الذي قام بعملية التطوير مرخصا له باستعمال النسخة المنتجة أو لا ؟ وحدود هذا الترخيص ان وجد وعما ان كان بمقدوره استعمال البرامج المطورة أو أي جزء منها في تطوير برامج أخري لعملاء آخرين ؟ أم أنه ملتزم بعدم الدخول في عقد مع أي طرف يكون مضمونه تطوير برنامج مماثل ؟ وفي كل الأحوال سوف يقع على عاتق الطرف المطور مسؤولية التأكيد من أن النسخة المنتجة لا تنطوي على انتهاك لحقوق الملكية المقررة لأي طرف ثالث. وعليه أن يضمن على وجه الخصوص أن أيا من موظفيه الذين شاركوا في انتاج النسخة محل عقد التطوير لا يدعي ملكية النسخة محل التعاقد.
ويبدو هذا التحديد مهما في حالات خاصة عديدة تبدو أكثر تعقيدا، منها مثلا تحديد ما إذا كان بمقدور الجهة المطورة أن تستخدم نفس المنهج “ميثودولوجي” والادوات “ديفلوبمنت تولز” المملوكة لها في تطوير برامج مشابهة ؟ ومنها أيضا الحكم في حالة ما إذا كان موضوع عقد التطوير عبارة عن نسخة جديدة من برنامج قائم مملوك للجهة المطورة أو مملوك لطرف ثالث ؟ والحكم في حالة الاتفاق بين الطرفين على ملكية النسخة المنتجة ملكية مشتركة ودور كل مشترك ؟ والحالات السابقة وغيرها، تعتبر موضوع اهتمام كبير من المتعاقدين وأصحاب المهنة وكذلك الصناعة التقنية بكل روافدها. ولذا، وللأهمية، فان الأمر يحتاج لوقفة متأنية لتوضيح الروابط والحقوق القانونية ذات الصلة.