كتاب: تجارب في الريادة الاجتماعية – فنون الإبداع المجتمعي
قُدِّر للشعوب العربية التي رزحت طويلًا تحت نير الظلم والاستبداد أن تثور على الظلم، وأن تنهض لتنفض عن نفسها أغلال الاستعباد والقهر، التي عاشتها أجيال عديدة، لم تشهد قبسًا من نور، أو تتنسم عبقًا من حرية.
عشنا جميعا هذه السنوات العجاف، رأينا فيها روح الانهزام تظلل الجميع، واعتقدنا أن السلبية أصبحت سمتًا ملاصقًا لشعوبنا، خاصةً الشباب منها، حتى ظننا أنه لا أمل في النهوض والاستيقاظ من السبات العميق. ثم جاءت الثورات العربية بدايةً من تونس إلى مصر، ومرورًا بليبيا واليمن وسوريا والجزائر والسودان، لتحرك المياه الراكدة، حتى وإن أصابت هذه الثورات الانتكاسة، فيكفي أنها أحيت في البشر الأمل في ثمار الإيجابية والمبادرة.
وخلال فترات الظلم انطفأت جذوة الإبداع، وخمدت روح الابتكار، وسادت السلبية والانهزامية، وقنع الغالبية بأن هذا مصيرهم وقدرهم الذي لا فكاك منه. ولا عجب من تلازم الاستبداد والسلبية، ففي ظل القهر تعجز العقول عن الإبداع، فالظلم قيد على حرية الابتكار والإبداع.
وفي ظل هذه الظروف غابت المبادرات الفردية والجماعية التي تنهض بالأمة. بينما انطلقت الشعوب الغربية في جو من الحرية يمينًا ويسارًا بمبادرات فردية وأخرى جماعية، لحل مشكلات المجتمع الدفينة، حتى غدت هذه التحركات الفردية حركة اجتماعية منظمة يسميها الغرب “الريادة الاجتماعية”. ومع انطلاق هذه الثورات العربية، لاحت في الأفق بارقة أمل للنهوض، عبر حرية نحياها، توقظ فينا الفكر، وتحرك فينا الإبداع. وعلى الرغم من سنوات القهر، لم يخلُ العالم العربي والإسلامي من مبادرات فردية تحولت إلى عالمية.
ونأمل أن تشهد السنوات القادمة مزيدًا من النماذج الريادية الفاعلة، لا تقتصر على المبادرات الفردية، بل تتحول إلى حركة ريادية اجتماعية واسعة في عالمنا العربي، تعيده إلى مكانه الأولى به، والذي تصدر به العالم في ظل الحضارة الإسلامية على مدى قرون عدة.
صدرت الطبعة الورقية الأولى من هذا الكتاب عام ٢٠١٣ بعنوان “تجارب في الريادة المجتمعية” عن مؤسسة إقرأ للنشر والتوزيع والترجمة بالقاهرة، والآن يسعدني أن أقدم للقراء الأفاضل طبعة ثانية إلكترونية مزيدة ومنقحة، وأرجو أن يتقبلها الله ويجعلها علمًا نافعًا.