كيف تحضّر القوى العاملة للمستقبل؟
إن التقدم السريع الذي تشهده التقنيات الناشئة، كالذكاء الاصطناعي، يوضح أهمية رفع المهارات بالنسبة للشرق الأوسط لكي يبقى مواكباً للتطورات ومزدهراً في عالم قائم على التقنيات الرقمية.
نشرة خاصة
تتسارع وتيرة التغيير، والمنافسة على الكفاءات المناسبة تزداد ضراوة، فمفهوم الكفاءة لم يعد كما كان سابقاً. فالعديد من الوظائف، والأدوار الوظيفية، والمهارات التي سيحتاجها سوق العمل في المستقبل ما زالت مجهولة بالنسبة لنا اليوم. وبالمثل، فإن التقدم السريع الذي تشهده التقنيات الناشئة، كالذكاء الاصطناعي، يوضح أهمية رفع المهارات بالنسبة للشرق الأوسط لكي يبقى مواكباً للتطورات ومزدهراً في عالم قائم على التقنيات الرقمية.
لم يعد هذا الأمر يتعلق بالابتكار التكنولوجي بقدر ما يتعلق بالأسلوب الذي يقرر فيه البشر استخدام التكنولوجيا. كيف ينبغي لنا التعامل مع مشهد الأعمال الذي يتغير باستمرار في المنطقة؟ وما هو الدور الذي يمكن للتكنولوجيا أن تلعبه في هذا الصدد؟
الوضع الراهن للقوى العاملة
في الشرق الأوسط، تحتاج المؤسسات إلى بناء ثقافة تدعم أتمتة المهام المتكررة التي يتم تحديدها بشكل مسبق، وهذا بدوره يجب أن يخلق فرصاً يتم من خلالها تعزيز القدرات البشرية بفضل الذكاء الاصطناعي والأتمتة، ويتم تحرير الطاقات البشرية لإنجاز مهام أكثر قيمة.
وما زال تطوير إستراتيجية التكنولوجيا يتم بمعزل عن حاجات رأس المال البشري، خاصة تلك المتعلقة بتخطيط القوى العاملة. ولتحقيق النجاح في عالم اليوم، فنحن بحاجة إلى تعزيز “مهارات القرن الواحد والعشرين” مثل الإبداع، والتفكير التصميمي، ومهارات القيادة والابتكار. كما أن علينا إعادة التفكير في برامجنا المخصصة للتعلم والتطوير، مع مراعاة رفع مستوى المهارات الرقمية بصورة مستمرة باعتبارها عملية تكرارية، وإتاحة مساحة أكبر أمام فرص التعلم ونقل المعرفة أثناء العمل.
كما أن هناك تحرّكاً عالمياً قوياً أيضاً نحو تبنّي وتعزيز سياسة الشمولية والاستيعاب، والثقة والراحة والرفاهية في مواقع العمل. وهنا في الشرق الأوسط، تبلغ نسبة العاملات من العدد الكلي للنساء أقل من 25%، وهي واحدة من أدنى معدلات التوظيف على مستوى العالم. ما زالت المنطقة تفتقر لمقومات “جاهزية القوى العاملة للمستقبل”، فوفقاً لدراستنا التي حملت عنوان “القوى العاملة في المستقبل“، يرى 60% من الحالات أن القادة لا يبذلون ما يكفي لتطوير قدرات منيعة في وجه التغيرات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك -ووفقاً للاستطلاع الثاني والعشرين لآراء الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط– فإن 70% من إجمالي الرؤساء التنفيذيين يرون أن الافتقار للمهارات الأساسية يشكل تهديداً لمؤسساتهم من الناحية التجارية. كما أن عدم الاستعداد بشكل جيد يهدد قدرة المنطقة على جذب الكفاءات وتطويرها، والحفاظ عليها في المستقبل.
إذن، فكيف تستعد للمستقبل؟
هناك حاجة ماسة لكي تتضافر جهود المؤسسات، والحكومات، والمربّين والمواطنين لمواجهة هذه التحديات، ولكل منهم دور هام يؤديه في هذا الصدد. لتلبية هذه الاحتياجات الملحة، ويتعين على المؤسسات التركيز الآن على 3 جوانب رئيسية:
- الوظائف في المستقبل
- عمّال المستقبل
- تشجيع الأداء
الوظائف في المستقبل
يقوم الموظفون العاديون لديك بقضاء المئات من الساعات في تنفيذ نشاطات روتينية وعادية، حيث لا يتبقى لديهم سوى القليل من الوقت للتركيز على إحداث تأثير حقيقي في العمل الذي يقومون به، سواء تسبب ذلك في إعادة تصميم المهمة بأكملها، أو حسَّن من سير عملها بشكل أكبر.
والآن تخيل أنه تم منح الموظفين الأدوات التي يحتاجونها لوضع تصور جديد لوظائفهم. نحن في بي دبليو سي نعتبر هذا الأمر ابتكاراً يقوده المواطنون بأنفسهم، وهو يعني وضع الأدوات اللازمة لأتمتة العمليات، والتعلم الآلي، وترجمة البيانات، في متناول المستخدمين في مجال الأعمال، والسماح لهم بأتمتة بعض المهام العملية التي يؤدونها بشكل فعلي بأنفسهم.
الهدف من ذلك هو إعادة التصور بشأن كيفية تزويد موظفينا بالأدوات المناسبة التي تتيح تحقيق النتائج على حد سواء من التكنولوجيا، ومن منظور إعادة تصميم العمليات.
عمّال المستقبل
المرحلة التالية هي ثورة المهارات، التي تتمحور حول مساعدة الناس على بناء وعيهم وإدراكهم الرقميين، ومهاراتهم الرقمية، ليتمكنوا من المشاركة بشكل كامل في العالم الرقمي، ويتعين على هذه المرحلة أن تبدأ الآن. وإن الحاجة إلى رفع مستوى المهارات تمثل مشكلة معقدة، فكيف نبدأ تنفيذ هذه المرحلة إذن؟
لقد طرحنا هذا السؤال على أنفسنا أيضاً، وقد كانت إجابتنا هي البدء في وضع هذا النوع من التدابير -التي نعتقد أن الآخرين في حاجة إليه للتكيف مع هذا التطور الرقمي- قيد التطبيق. وعلى مدار السنوات الأربع المقبلة، تلتزم بي دبليو سي بمبلغ قدره 3 مليارات دولار أميركي على مستوى العالم للمساعدة على رفع مستوى المهارات لدى موظفيها. سيتم استثمار هذا المبلغ بالدرجة الأولى في تدريب موظفينا، وفي تقنيات تهدف إلى دعم عملائنا ومجموعاتنا.
من خلال هذا الاستثمار، نحن نوفر لموظفينا فرصاً لتوسيع معرفتهم من خلال تزويدهم بما يحتاجونه من الأدوات والموارد المناسبة لإحداث تغيير جذري في حياتهم اليومية، على الصعيدين المهني والشخصي. علاوة على ذلك، فإن هذه المهارات قابلة للنقل والتسويق بدرجة كبيرة، وبالتالي لن يواجه أحدٌ خطر التخلف عن ركب متطلبات التوظيف، مع تطور سوق العمل بصورة عامة.
في الشرق الأوسط، بدأنا بإطلاق تطبيقنا “ديجيتال فيتنيس” الذي قام بقياس خبراتنا التقنية، وإنشاء خطة تلائم الاحتياجات الشخصية لبناء اللياقة الرقمية لجميع موظفينا. كما أننا نشجع أيضاً على التنافس الصحي من خلال تشجيع موظفينا على خوض اختبارات رقمية تسمى “دفعة التعلم Learning Burst” حيث يمكنهم الخروج بجوائز نقدية، بالإضافة إلى اختبار “المساعي الرقمية Digital Quests” الذي يتعين عليهم فيه إيجاد حلول لتحديات العملاء بالاعتماد على الخبرة التي اكتسبوها خلال هذه الاختبارات.
وليس من المتوقع أن يتم تحويل موظفينا بشكل كلي إلى مبرمجين متفرغين بدوام كامل، بل سيتم التأكد من أن لديهم ما يلزم من الأدوات والمهارات والمرونة لفهم التقنيات المختلفة مثل الذكاء الاصطناعي، وإدارتها واستخدامها.
تشجيع الأداء
عندما يتم رفع مستوى الكفاءة عند الناس وتزويدهم بالمعدات المناسبة، فيتعين علينا عندها أن نضمن تلبية احتياجاتهم في أماكن العمل. فالمؤسسات في حاجة إلى بناء بيئة مرنة وتعاونية تركز على رفاهية موظفيها. لتحقيق هذا، قامت العديد من الشركات الآن بإلغاء العديد من معايير أماكن العمل، وذلك من خلال السماح لموظفيها بالعمل بشكل مرن. وإن الناس اليوم يعملون ضمن ثقافات عمل مترابطة باستمرار، وشديدة المتطلبات، حيث تنتشر عوارض الإجهاد ومخاطر التعرض للإرهاق. في حين يتعين على موظفي المستقبل التواصل مع عمالهم بصورة تتخذ المزيد من الطابع الشخصي لإطلاق قدراتهم الإنتاجية، وإقامة علاقات دائمة، وذات منفعة متبادلة.
بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك استثمار أكثر أهمية لمنطقتنا من دعم النساء طوال حياتهن المهنية، وتشجيع التنوع الجنساني ضمن فئات القوى العاملة. لقد شهد الشرق الأوسط إحراز الكثير من التقدم في هذا المجال، من خلال المرونة في العمل وسياسات الأمومة الأكثر ملاءمة.
الآن هو وقت العمل
العمال على دراية بأن الأتمتة سوف تحدث تغييراً في وظائفهم، ويرغبون في تعلم مهارات جديدة من شأنها أن تحسن فرصهم في التوظيف. وليس بإمكان المؤسسات أن تحمي الوظائف التي أصبحت فائضة عن حاجتها بفعل التكنولوجيا، إلا أنها في الواقع تتحمل مسؤولية إعداد موظفيها للمستقبل. يتعين على منطقتنا أن تتولى زمام المبادرة وتمتلك قصة خاصة بها، من خلال بناء سرد متين يغطي ما يعنيه مستقبل الوظائف بالنسبة لنا ولشعبنا.
نحن نعلم إمكانية تحفيز الناس على تبني طرق جديدة للعمل، والآن حان الوقت لبناء حركة تتضافر فيها جهود الشركات والمجتمعات حول العالم معاً لإنشاء الموجة التالية من القدرات البشرية.